أكثر من ربع قرن على غياب الرؤية الاستراتيجية متى يكون سهل الغاب حاضنة تنمية زراعية مستدامة ينعش الاقتصاد المحلي وساكنيه؟
حماة – محمد فرحة
قد يكون مشروع تطور سهل الغاب الوحيد في سورية الذي استغرق الحديث فيه وعنه أكثر من ربع قرن، وكلما تقدم خطوة تراجع خطوات، والسبب غياب الرؤية الشاملة والبعيدة المدى، بل كل يريد أن يصبغه بما يراه ويريده.
ما يؤكد حقيقة راسخة بأنه ليس لدينا استراتيجية ثابتة لتطوير هذا السهل الخصب الذي تبلغ مساحته 140 ألف هكتار، منها 80 ألف هكتار صالحة للزراعة المروية، فعندما نقول ربع قرن يجب أن نقدم مثالاً على صحة ذلك، فالقرى النموذجية طرحت وبدأ الشروع بها في مطلع عام 1984، وتم إقامة وإنجاز البنى التحتية لبعض منها، كما هو الحال في قرية شطحة.
ومثالنا الثاني للتدليل على صحة ما نقول: فكرة إقامة أربعة خزانات مائية في سفح سهل الغاب الغربي منذ عام 2002 وسعتها 40 مليون متر مكعب، لكن يومها مطالبة مديرية حوض العاصي بتعديل الدراسات بالاتفاق مع الشركة العامة للاستشارات الفنية أفشل المشروع وتوقف العمل به.
الأمر الذي يزيد وضع سهل الغاب سوءاً أنه يغرق شتاء وتغمر زراعته المياه وتعطل إنتاجيته، في حين يتم البحث عن قلة من المياه صيفاً ولم نجدها؛ ما زاد وضع هذا السهل الخصب سوءاً على سوء.
لعل نظم الري المتبعة تؤدي في كثير من الأحيان إلى فاقد كبير من مياهه القليلة بالأصل، في الوقت الذي تسعى فيه كل دول العالم لعقلنة الاستخدامات المائية وتقرع ناقوس الخطر لجهة العبث بها، ولاسيما أن الزراعة تستهلك أكثر من 75 بالمئة من المياه العذبة، في وقت يهدر من بواباته أي سهل الغاب 65 بالمئة من وارداته المائية السنوية.
أما أن تستند الحكومة على الهيئة العامة لتطوير سهل الغاب دون توفير ما يلزمها لهذا التطوير فهذه حكاية أخرى، فهي تشكو الوجع تلو الوجع من قلة الإمكانات وضيق الحال، فمعظم آلياتها أكل الزمن عليها وشرب، ومنها ما خرج عن الخدمة وبات إصلاحه يكلف ما يعادل ثمنها لو كانت جديدة، ونتحدث هنا عن البواكر والتركسات التي وصلت لدرجة تعجز فيها عن تعزيل وتنظيف قناة ري.. فكيف تقوى هذه الهيئة على النهوض بهذا السهل بمساحته الكبيرة بهذه الآليات.؟!
يجيب معاون المدير العام للهيئة المهندس أحمد شدهان: كل عام تتضاعف الخدمة المطلوب تقديمها للسهل والجبل نظراً للنمو السكاني السريع، والتوسع العمراني وطول قنوات جر المياه البالغة 1310 كيلو مترات، فضلاً عن الأقنية الفرعية الصغيرة. وزاد الشدهان: الآن يدور الحديث عن الري الحديث وهذا في غاية الأهمية، لكن ظروف إنجازه غاية الصعوبة كون هناك العديد من المناطق خارج السيطرة، فضلاً من الخشية من السطو على التجهيزات؛ لذلك لا أحد يغامر ويبدأ في الري الحديث قبل الاستقرار النهائي في المنطقة.
هنا يقاطعه أحد المهندسين قائلاً: “قسماً عظماً” كل ما سقيت أرضي مرة أجمع شبكة التنقيط واصطحبها معي للبيت خشية سرقتها ليلاً. وتساءل آخر فوجئنا بأن تقول وزارة الموارد المائية إنها أنفقت العام الماضي أو وضعت في خطتها لهذا العام المليارات لإنجاز العديد من السدود والسدات والخزانات المائية، وبالتدقيق ليس منها شيء في مجال سهل الغاب.
المدير العام السابق للهيئة العامة لتطوير سهل الغاب المهندس غازي العزي حضر الحوار، وهو الذي يعشق العمل الزراعي كما قال: إن الحديث عن القرى النموذجية الآن غاية الصعوبة لعدة أسباب، منها النمو السكاني الكبير، فمن كان يكفيه شقة لإسكان ثلاثة أو أربعة أشخاص أصبح الآن بحاجة لعدة شقق لإسكان أسرته.
وزاد العزي بأن بعض مواقع هذه القرى تقع خارج سيطرة الدولة، وما تم إنجازه من بنى تحتية للقرى النموذجية في مطلع الثمانينات قد تم تخريبة واقتلاعه، فالمشروع عمره أكثر من 35 سنة.
إلى ذلك قال المهندس سمير ملحم مدير الإحصاء في الهيئة: نرى من الأفضلية الآن التركيز على عودة الروح والأمن لكافة القرى الواقعة في مجال سهل الغاب وسورية، ومن ثم يمكن الشروع في إنشاء كل ما من شأنه النهوض بالقطاع الزراعي الذي شكل طيلة الفترة الماضية من عمر الحرب العمود الفقري لصمود البلد. وزاد ملحم بأن الحديث حول إقامة منشآت صناعية تعتمد على الإنتاج الزراعي غاية الأهمية، لكن أين ستقام هذه المنشآت، ودليل تصنيف الأراضي في وجهها.؟
حول هذه النقطة أوضح معاون المدير العام لهيئة تطوير الغاب أحمد شدهان: بأنه طرح الموضوع أمام رئيس مجلس الوزراء في زيارته الأخيرة، فأوضح بأنه لابد من إيجاد تشريع جديد يمكن من إقامة مثل هذه المنشآت من خلاله. مضيفاً بأن اللجنة التي تم تشكيلها ستحضر إلى هنا عدة مرات لمعاينة الواقع ودراسته لمعرفة كل تفاصيله، ليصار فيما بعد إلى تقديم رؤى إلى رئاسة مجلس الوزراء.