رواتبُنا واستحقاقات المعيشة..!
لعلّ اقتحام العيد لفصل الصّيف عجّل في استدعاء استحقاقات الخريف المعيشية التي لطالما تهيّب السّواد الأعظم من الأسر السّورية أجندتها والمثول أمام إرهاصاتها المطلبيّة، وتوجّسوا اكتناف ظلالها الثقيلة، ولاسيّما أنّ تزامنها مع طقوس حضوره وعراقة تقاليد الاحتفاء به؛ من أضاحٍ وحلوى وملابس وأحذية وسواها؛ يزيد طينة الفواتير المستحقّة بلّة، وفي المقدّمة منها استحقاقات المدارس ولوازمها، مروراً بنفق المؤونة الطويل بزيته وزيتونه ومكدوسه، وانتهاءً باستحقاق التّدفئة ومازوتها إن وجد..!؟
إذ لم يعُد خافياً على ذي بصيرة أنَّ ارتفاع تكاليف المعيشة وأعبائها، في ظلّ سعير الأسعار وسُعارها، أمسى هاجساً يقضّ مضاجع السّوريين بشتّى شرائحهم، ولاسيّما ذوي الدّخل المحدود، الذين أبوا الرّكون إلى تصريحات بعض مسؤولينا الاقتصاديين في محاولة وأد تطلّعاتهم إلى زيادةٍ تسدّ عوزهم المتفاقم، وتُحسّن من مستوى معيشتهم..!
بينما لسان حال الجمّ الغفير – وفي المقدمة منهم المعوزون – يقول: على الحكومة أن تتدبّر أمرها، وعلى وزارة المالية أن تمتاح ماء الزّيادة من آبار التهرّب الضّريبي والجمركي، الكفيلة بسدّ الرّمق المنشود وتحقيق المؤونة المالية اللازمة لهذه الزّيادة. في حين تزداد إشارات الاستفهام يوماً بعد يوم؛ حول الأشواط التي قطعتها وزارة ماليتنا في معالجة هذا الملف بالغ السّخونة والأهمية!؟ وما تكشّف من جبل الجليد يفضي بأن مقاربة الوزارة لهذا الملف ومنازلتها لأشباحه؛ لم تتجاوز مضمار التّنظير، والبطولات الدّونكيشوتية في النّدوات وورشات العمل..!؟
فبعد أن استعادت الدولة سلطتها على معظم الجغرافيا السّورية؛ بات مُلحّاً التّوجه بقوة نحو حسم خياراتها المؤجلة ولاسيما المتعلقة منها بهويّة الدّولة الاقتصادية؛ ما يعني ضرورة الإقلاع بحزمة إجراءات إصلاحيّة صادمة وقويّة، تبدأ بمكافحة الفساد، وألف باء مقاربة هذا الملف يجب أن تكون تحصين العاملين برواتب وأجور عادلة؛ تمكيناً للنّزاهة والشّفافية..!
فضلاً عن أنّ أية زيادة حقيقية في الأجور تصبّ في مصلحة المنتجين والمستهلكين بآن معاً، وتشكّل إسهاماً نوعيّاً في تنشيط السّوق وتحريك عجلة الاقتصاد، وتحفيز النّمو ورفع مستوى التّشغيل؛ ما يُرتّب على صنّاع قرارنا الاقتصادي التّحلّي بالواقعية، ومقاربة هذا المطلب الحيوي بفائق الجديّة؛ لأنّ قدرة الناس على التّحمّل، وصبر الأفواه عن اللّقمة قد نفدا..!؟
والحال أنّه لم يعُد مقبولاً التلطّي خلف ستائر التّضخّم، ووهم تداعياته، بعدما باتت ارتداداته من الماضي، وأضنتنا تفاصيله وجزئيّاته، بقدر ما أضحى التّظلّل بالأجوبة الجاهزة المغلّفة بسيلوفان: مخاطر التّمويل بالعجز، أوالتّسويف: بالتّعويل على دوران عجلة الإنتاج؛ هروباً مكشوفاً إلى الأمام؛ لن يخفي حقيقة أنّ محدودي الدّخل باتوا في غرفة العناية الفائقة؛ ولا محيص من إنعاشهم بأكسجين: إصلاح الرّواتب والأجور..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com