الـ “أنا” الأمريكية و”الحلم” الأوروبي
لم تكن حادثة السفير البريطاني في واشنطن، وما تلاها من مشادات بين الساسة البريطانيين والرئيس الأمريكي ترامب، وصلت أحياناً حدّ الشتائم، إلا تعبيراً واقعياً عن الحالة المتوترة بين طرفي الأطلسي، وتقدّم الـ “أنا” الأمريكية على التاريخ الطويل من التحالف بين تلك الدول وأمريكا، فهل بدأ هذا الحلف بالتفكّك، ولاسيما بعد وصول رئيس أمريكي شعبوي إلى كرسي البيت الأبيض، أم هناك إعادة ترتيب أوراق على مستوى التحالفات المتشكّلة منذ الحرب العالمية الثانية؟.
لم يعد خافياً أن ترامب، الذي جعل من شعاره “أمريكا أولاً”، لم يوفّر أياً من حلفائه أو أصدقائه في سبيل ذلك، والأوروبيون مثال صارخ على ذلك، حيث أكد مراراً أن أمريكا تحمي أوروبا، وعلى الأخيرة أن تدفع مقابل ذلك: “إن الولايات المتحدة تحمي أوروبا ولكن نحن نحمي دولاً استغلتنا.. يجب أن تدفع بعدل!!”، والأمر لم يتوقّف عند هذا الأمر بل أن ترامب تدخل في صلب السياسات الأوروبية الداخلية، بداية من تأييد خروج بريطانيا من المنظومة الأوروبية، ودعم مرشح على حساب آخر في انتخابات زعامة حزب المحافظين بعد استقالة تيريزا ماي، مروراً بتوجيه انتقادات لاذعة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خلفية احتجاجات السترات الصفراء في شوارع باريس، حيث لم يجرؤ الأخير على الرد، وليس انتهاء بالضغط على أوروبا لمنع التعامل مع روسيا وفرض عقوبات عليها.
في مقابل ذلك، بدت واضحة حالة التململ الأوروبي من سياسات الحليف الأمريكي، وطفت على السطح بقوة، حيث كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أكثر المتحمسين لأن تضطلع أوروبا بدور أكبر على الساحة الدولية بعيداً على هيمنة واشنطن: “هناك دافع إضافي كي نمسك في أوروبا مصيرنا بأيدينا”، فيما كان طرح الرئيس الفرنسي ماكرون الأجرأ في تشكيل قوة أوروبية مستقلة لحماية أوروبا ليس فقط من الصين وروسيا، وإنما من أمريكا نفسها، لتأتي تسريبات مذكرات السفير البريطاني كيم داروش في واشنطن دليلاً دامغاً على النظرة الأوروبية لسياسات ترامب وأفعاله، ولكن هل يكفي ذلك لأن تكون أوروبا مستقلة بقرارها وسياساتها؟.
لا شك أن أوروبا اليوم تمر بمرحلة دقيقة جداً، ولاسيما في ظل التخبط البريطاني للخروج من المنظومة الأوروبية، وتباطؤ في النمو الاقتصادي، ومديونية عالية للكثير من الدول المنضوية تحت راية الاتحاد الأوروبي، إضافة لظهور حركات وأحزاب يمينية متشدّدة ترفع شعارات قومية ضيقة جداً قد تنسف فكرة الاتحاد الأوروبي من أساسها، وبالتالي فالحديث عن خروج أوروبي من العباءة الأمريكية يحتاج الكثير من القرارات الحاسمة.
البعض يرى في اللقاء الفرنسي الألماني فرصة سانحة لتحقيق الحلم الأوروبي، ولاسيما في ضوء السياسة الأمريكية الحالية واعتمادها نهج الصفقات وجمع الأموال على حساب التحالفات والصدقات، فهل تنجح المحاولات الفرنسية والألمانية في ولادة قطب جديد في السياسة العالمية بعيداً عن أمريكا، أم ستبقى القيود التي كبّلت بها أمريكا أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية هي الحاكم للعلاقات بين جانبي الأطلسي؟!
سنان حسن