“الدولة الجمالية” في فلسفة شيللر
تلقي د. بشرى عباس في كتابها (في فلسفة الفن والجمال عند فريدريك شيللر) الضوء على الطروحات الجمالية في فلسفة الألماني فريدريك شيللر/1759- 1805/ وفي مقدمتها طرحه للثورة الفنية الجمالية بديلاً لثورة الفئات الشعبية التي غالبا ما تكون خروجاً عن القانون، وضرباً من التردّي الأخلاقي، بينما الجمال حسب شيللر هو تحقّق إنسانية الإنسان.
تمسّك شيللر بنوعٍ من الرومانسية المعتدلة، والحكيمة ذات الدور المفيد، تلك الرومانسية المسالمة النافعة التي تُحرّض على الابتكار الوطني، فشيللر يطرح علم الجمال كنقطة انطلاق لحل المشكلات الفكرية والاجتماعية وحتى السياسية، وفي كتابه (الرسائل في التربية الجمالية) يطرح الجمال كشرط للكمال حين يتحدث عن مكوّنين رئيسييّن يدخلان في طبيعة النفس البشرية هما الطبيعة الحسية (الأنا الظاهر) والطبيعة العقلية (الأنا المطلق) ولأنّ الأولى هي التي تقصد إلى التغيير بينما تقصد الثانية إلى الثبات ينشا الصراع بين الطبيعتين وغالبا ما يؤدي إلى انهيار إحداها، فالخلل يتسرّب إلى الحضارة حسب شيللر من نقاط ضعفٍ ثلاث هي التخصّص، والاغتراب، والدين، ففيما يتعلق بالتخصص في فرع من العلوم فإنّه ليس قانونا حتميا وعندما يصبح التخصص قانونا مقيدِا سيتحول الإنسان إلى آلة، وفيما يتعلق بالاغتراب فإن اغتراب الفرد في مجتمعه سيجعل من السهل وقوعه في مستنقع الغربة الدينية العالمية حيث إنكار وجود الآلهة يقود الكثيرين إلى أنواع من الانحراف السلوكي داخل التدّين أو خارجه على حدّ سواء.
تبدو الحضارة المعاصرة قمعيّةً بدليل الهمجيّة التي تُنتِج الأذى اللامعقول الذي يتعرض له الإنسان والطبيعة يوميا في بقاع مختلفة من العالم، لأنّ عقل العالم اليوم عقل نفعي مصلحي يُنمّي روح الاستغلال والجشع فيغدو الإنسان بكل قواه ومواهبه ضحيّة المنفعة الضيقة التي أصبحت إلهاً معبوداً فمهمة الجمال أن يطرح نفسه بديلاً للقمع وذلك عن طريق الفنون لأنّ غاية الفن هي المتعة، وإشاعة الفرح وبثّ المعرفة، والدور التربوي الناجح للفن هو خلق اللذّة الأخلاقية عن طريق تحويل الناس إلى شخصيات جمالية، وعند ذلك سيكون بوسعهم تشكيل مجتمع قادر على العبور من دولة الضرورة إلى دولة العقل، فالإنسان الجمالي حتى في حالة إذعانه لميوله سيتصرف بطريقة تتسم بالنبل رغم حريته، فالحرية ستكون عند ذلك خاضعة لاختياره السامي، حتى اللعب سيدخلُ مكوّناً أساسياً في فلسفة شيللر، لأنّ اللعب يُشكّل تناغما بين المتناقضات وفي مقدمتها العقل والإحساس الذي يحقق الانسجام بين العالمين الذاتي والموضوعي، وبناء عليه فإنّ الدولة الجمالية هي دولة آمنة بالضرورة يتمتع فيها الناس بالحرية المدنية والسياسية، اللتين هما منطلق كل حضارة وغايتها شرط أن تُمنَح هذه الحرية لمن هم على قدْرٍ كافٍ من النضج يجعلهم جديرين بالحرية وهذا يتحقق بالتربية الجمالية التي تتخذ من الفنون والآداب أسلحة مقاومة أخلاقية للألم.
د. وضحى يونس