في عالم الموضة تسريحات وقصات شبابية تتمرد على السلوك المجتمعي
كنجم استعراضي الطفل كرم ابن ثماني سنوات يقف مستعداً لالتقاط الصور من بعض الفضوليين الذين تجمعوا حوله بعدسات هواتفهم المحمولة بعد أن راقت لهم قصة وتسريحة شعره الغريبة، حين شاهدناه قرب أحد محلات الحلاقين لم نستطع أن نتجاوز تلك التسريحة الملفتة التي ترك له حلاق الشعر فيها الجزء العلوي من شعره فقط بعد صبغه بلون ذهبي، أما ما تبقى فتفنن فيه بزخارف ورسوم مختلفة رسمها له باستخدام شفرات حلاقة خاصة، كما قال الطفل الذي شعر بأهمية خاصة بعد قصته تلك، رغم بعض الانتقادات التي وجهها إليه مدرّسوه، وأهله، وبعض الأصدقاء حين قصها أول مرة، إضافة لما دفعه من أجرة مرتفعة لقاء تلك الحلاقة، وهي كما يقول 2000 ليرة، ومع تعدد الحالات التي نراها لقصات وتسريحات الشعر الغريبة في المجتمع السوري، وتحديداً بين فئتي الأطفال والشباب، يبدو هؤلاء الأطفال والمراهقون منقادين نحو موضات غريبة بدأت تتزايد على نحو ملحوظ.
رغبة في التقليد
يؤكد بعض الشبان والفتية الذين تحدثنا إليهم أن التغيير جميل ومطلوب في قصة الشعر بين الحين والآخر، لذلك فهم لا يجدون حرجاً من قص شعرهم بطريقة تشبه ما يقوم به بعض لاعبي كرة القدم، أو بعض الفنانين والنجوم الذين يشاهدونهم ويفضلونهم، ولا تخفى على أحد اليوم العلاقة بين متابعة الفنانين والنجوم ولاعبي كرة القدم، والرغبة بالتمثّل بهم وتقليدهم، يقول عمار، وهو طالب في الصف السادس، إنه يرغب في الحصول على تسريحة شعر ملفتة، وقصة غريبة تشبه لاعبي كرة القدم، لكن والديه لا يسمحان له بذلك، كما أن المدرسة التي يدرس فيها تحذر الطلاب من الشعر الطويل، في حين يؤكد علي، ابن ثمانية عشر عاماً، أن قصة الشعر مهمة بالنسبة للشاب، فهي تكون أحياناً سبباً لجذب الفتيات الجميلات إليه، ويقول: من الجميل متابعة الموضة، فالتغيير مطلوب دائماً، ولكن في المقابل هناك آراء أخرى رافضة لهذه القصات، إذ تعتقد ربة المنزل أم زياد أن الشباب الذين يقصون شعرهم بطرق غريبة هم أشخاص غير طبيعيين، وبحاجة إلى التوعية، في حين يقول السيد لؤي بأن هذه الموضة غريبة عن المجتمع ولا تتناسب مع العادات والتقاليد في المجتمع السوري، ويجزم نبيل، طالب جامعي، أن المظهر الجمالي الذي يجب أن يراه الجميع ليس في المظهر وقصات الشعر، ولكن في التصرف، والسلوك، والالتزام بالآداب العامة.
قصات غريبة
وفي صالة حلاقة تحدثنا فيها مع أحد الحلاقين، يقول الحلاق أحمد إنه يقوم يومياً بالعديد من قصات الشعر المختلفة والمتنوعة، ويوضح أنها كلاسيكية بمعظمها، لكن بعض الشبان أو الأطفال يرغبون أحياناً بتسريحات معينة وقصات حديثة وعصرية، فيقوم بتأديتها لهم، ويؤكد الحلاق أحمد أن قصة شعرك تدل على شخصيتك، فهي إما أن تكون كلاسيكية وهادئة، أو عصرية صاخبة وتساير الموضة، وبشكل عام النمط الأغلب أو الموضة التي تنتشر اليوم بين الشباب هي ترك كثافة في الجزء العلوي من الرأس مع حلاقة الجزء الأسفل، لكن هذا الأمر يختلف باختلاف الشخص وما يناسبه، ويؤكد أن هناك من يفضّل الشعر القصير للغاية، وهناك من يفضّل تخفيف الأطراف، ويستعرض بعض أسماء القصات التي يقوم بتأديتها لزبائنه، قصة تدعى الموجة الأمامية التي تستوجب ترك الجزء الأمامي أطول مقارنة بباقي أطراف الشعر، واستخدام مستحضرات التجميل ومثبتات الشعر لرفع الجزء الأمامي للأعلى قليلاً، وهناك القصة المملسة، والقصة الشبيهة بالصلع، وهناك التسريحة الجانبية، أو الغرة الطويلة، والقصات الأخرى التي تحدث بعض الحلاقين عنها اقترنت بفنانين عرب أو أجانب مثل قصة “راستا” التي ارتبطت بالفنان العالمي “بوب مارلي”، وقصة الممثل “حسن الشافعي”، أو قصات لاعبي كرة القدم مثل “كريستيانو رونالدو”، و”ديفيد بيكهام”، ومن أسماء القصات الغريبة قصة “الموهوك”، يكون فيها جانبا الرأس محلوقين، وفي المنتصف يظل الشعر طويلاً، لافتاً إلى أن القصة ترجع لقبيلة من الهنود الحمر.
أسباب موجبة
ويوضح الدكتور مهند إبراهيم، اختصاصي علم نفس الطفل في جامعة البعث، أن ما نشهده اليوم من انتشار واسع للاتصال الرقمي كالأنترنت والفضائيات الكثيرة ساهم إلى حد كبير في انتشار قصات الشعر الغريبة، وتبنيها من بعض أفراد المجتمع السوري، مؤكداً أن العالم قرية صغيرة يرى الجميع فيها بعضهم، ويقلدون الآخرين من دون مراعاة خصوصية وهوية ودين كل مجتمع أو بيئة، وهذه كارثة، حيث إن التقليد للدول الغربية والمتقدمة في كل شيء يعتبر مصيبة تعرّض هوية هذا الجيل للضياع حين يصبح صورة طبق الأصل من العالم، ظناً منه أنه بذلك أصبح متقدماً ومتحضراً، وبالعودة إلى قصات الشعر الدارجة بين الشباب يؤكد د. إبراهيم أنها تأتي في إطار التقليد وإثبات الهوية بالنسبة للطفل أو المراهق الذي يرغب أن يكون محط الأنظار والاهتمام من قبل أهله وذويه وأصدقائه، وبالتالي يقوم بهذا التغيير ظناً منه أنه سيصبح محبوباً أكثر، كذلك فإن هذه القصات تكون مطلوبة في سن المراهقة كنوع من لفت النظر للجنس الآخر، فيقوم الشاب بتقليد قصة لفنان مشهور في محاولة تقمّص شخصيته، وجذب الأنظار إليه.
محمد محمود