لا قفز فوق الأولويات
لن نبالغ في التفاؤل تجاه ما تمخّض عن زيارة المبعوث الأممي غير بيدرسون إلى دمشق، طالما أن الأزمة في سورية لا يمكن تقزيمها بتشكيل لجنة مناقشة الدستور، فحرب السنوات الثماني، والمستمرة حتى الآن، تحتاج إلى كثير من العمل من كافة الأطراف، وخاصة الداعمة والممولة للإرهاب، والتي لا تزال تفرض إجراءات أحادية الجانب، كل يوم، مستهدفة الشعب السوري في لقمة عيشه ودوائه وحتى لوازم تنقلاته وتدفئته، كما لا تزال الحدود التركية مفتوحة أمام شذاذ الآفاق لمنع انهيار التنظيمات التكفيرية، حتى أن أردوغان يرسل تعزيزات عسكرية يومية لوقف تقدّم الجيش العربي السوري.
وبالتالي فإن تأكيد سورية والمبعوث الأممي “أن العملية الدستورية هي شأن سوري، وأن الشعب السوري هو وحده من يحق له قيادة هذه العملية وتقرير مستقبله دون أي تدخل خارجي، ووفقاً لمصالحه”. يشكّل رسالة لمن يحاول الاصطياد في الماء العكر وتفريغ الانتصار السوري من مضامينه، من خلال القفز فوق الأولويات، بأن سورية لا تترك فرصة لإنهاء الأزمة إلا وتستغلها في سبيل وقف القتل والتدمير ورفع المعاناة عن الشعب، لكنها في الآن ذاته لا يمكن بأي شكل أن تساوم على حقوقها أو تتنازل عن أي من ثوابتها.
لذلك يتوجّب على بيدرسون، الذي أشاد بالتعاون السوري قبل أن يطير إلى أنقرة، أن يقنع أردوغان بوقف دعمه للإرهاب وأن يرفع يده عن عصابات القتل الجوال ويلتزم بالتعهدات التي قطعها على نفسه في سوتشي ولم ينفّذ ولو بنداً من بنودها، وكذلك أن يخرج قواته من الأراضي السورية التي احتلها ويحاول أن يضفي عليها طابعاً ديموغرافياً جديداً عليها كمقدّمة لقضمها، كما عليه الضغط على رئيس النظام التركي للتوقّف عن سرقة الكنوز والآثار الدفينة في المناطق التي تحتلها مرتزقته. وأخيراً عليه إقناع ترامب بسحب قوات تحالفه، التي ارتكبت جرائم لا تقل دموية عن إجرام “داعش” بحق السوريين، بدل محاولاته استبدالها بقوات فرنسية وبريطانية ودانماركية…إلخ. هذه أساسيات الحل.. وفي نفس الوقت يجب أن تكون من البديهيات التي يتحرّك بناء عليها المبعوث الأممي، أما غير ذلك فهو دوران في حلقة مفرغة، ولن تكون جرعة التفاؤل التي أبداها بعد زيارة دمشق كافية لاجتراح الحلول.
لذلك على بيدرسون أن يعمل على حل الأزمة وفق الأولويات التي بات يدركها الجميع، ويأتي في مقدمتها مكافحة الإرهاب، الذي اتسعت رقعته وأخطاره وأصبحت تهدّد العالم برمته، وبات لزاماً على كل الدول تقديم العون لتطويقه والقضاء عليه، بالتزامن مع خروج المحتلين الأمريكي والتركي، اللذين يحاولان ترسيخ موطئ قدم لهما من خلال مرتزقتهما في الداخل السوري، وأخيراً الضغط باتجاه رفع العقوبات والحصار الجائر، عندها تصبح الأجواء مهيأة لمناقشة الدستور وتعديله أو استبداله بآخر وفق رؤية سورية محضة وحوار سوري بعيد عن أي تدخلات وضغوطات الخارجية.
هذه باختصار أسس الحل ومرتكزاته، والجيش العربي السوري، الذي بدأ معركة إدلب، لن يتوقف قبل تطهيرها من الإرهاب وتخليص أهلها من عذاب سنوات من القتل والتهجير والتنكيل، وعندها سيبدأ الغرب بتقديم طروحات تسهل عمل المبعوث الأممي تجنباً لارتدادات الإرهاب.. ولا نرى ذلك اليوم ببعيد.
عماد سالم