“موندو وحكايات أخرى”..البحث عن مدينة فاضلة
يحاول الكاتب جان ماري غوستاف لوكليزيو أن يبحر بنا عبر مجموعته القصصية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن سلسلة الآداب العالمية ترجمة عماد موعد إلى عالم الطفولة اتهمه البعض بالسذاجة والإفراط في تبسيط الأمور، وبأنه وقع في أسطورة الإنسان البدائي، وجميعنا نقول بأن الإنسان مفطور على الخير وربما كان الطفل هو الممثل الأفضل لهذه الفطرة الأولى، لأنه الأنقى والأصدق والأكثر تعبيراً عن الحياة التي لم تدنسها الحضارة المادية يأخذنا لوكليزيو عبر ثماني حكايات تتضمنها المجموعة موندو- ليلابي- جبل الإله الحي- عجلة الماء – ذلك الذي لم ير البحر- هازاران- شعب السماء- الرعاة. إلى عالم مختلف يحاول أبطال هذه القصص الهروب من هذا العالم الحسي الموحش بقسوته وبغطرسة الإنسان فيه، فيحاول هؤلاء الأطفال خلق عالم مختلف ولو في الحلم لأن ذلك شديد الصعوبة، ففي حكاية موندو الطفل ذو الـ10 سنوات نجد هذا البطل في مجتمع مختلف لا يعلم شيئاً عن ماضيه أو عن والديه، طفل يشعر بالوحدة ولا يملك مكاناً يؤويه ومع ذلك فهو يحمل في ملامحه الهدوء والطيبة كما يصفه الكاتب “ابتسامة ووجه مستدير هادئ وعينين جميلتين” يصارع هذا البطل قسوة الحياة وفيما بعد يصل إلى دار الرعاية كونه لا يملك عائلة، ويهرب أخيراً بعد أن يفشل في التعايش مع سكان ذلك المكان الذي يبدو أنه لم يخلق ليعيش فيه، وعلى الرغم من أن أبطال قصص لوكليزيو من الأطفال إلا أنه وباعتراف منه ليس من السهل على الأطفال قراءة المجموعة نظراً للعمق والبعد الفلسفي الذي يجده القارئ بين سطور الحكايات، فالأسئلة التي يطرحها الكاتب فلسفية جوهرية تتعلق بالتساؤل كيف ينبغي أن ننظر إلى العالم وعن الدور الذي ينبغي أن نقوم به على الأرض، وتناقضاتنا مع مجتمعنا وعدم قدرتنا على تحقيق الذات وعن ماهية الحرية وكيفية الوصول إلى السعادة، تلك الأسئلة الفلسفية لم يحسم الجدل إلى الآن في الكثير من جوانبها للطبيعة في حكايات لوكليزيو كما في قصة موندو – عجلة الماء – الرعاة – مكانة مهمة، ربما لأن الطبيعة في بعض جوانبها تتقاطع من حيث الصفاء والنقاء مع الأطفال أبطال قصصه “كان موندو يفكر في النهار الذي كان يشرق في البحر أيضاً لأجل الأسماك والسلطعونات.. كانت الأسماك تستيقظ وتتحرك ببطء تحت سمائها الشبيهة بالمرآة سعيدة وسط آلاف الشموس الراقصة”.
لوكليزيو الحائز على جائزة نوبل عام 2008 يشبه كثيراً أبطال حكاياته ربما يتقاطع مع أبطال حكاياته في محاولة الابتعاد عن هذا العالم المحسوس في رحلة البحث عن النقاء. ولطالما وصف هذا الكاتب بأنه يقول دائماً الأشياء التي لا تقال وقد هوجم مرات كثيرة بسبب ذلك كانت إحداها عندما هاجمته أوساط مقربة من إسرائيل بعد نشره لجزء من رواية تتناول مأساة اللجوء الفلسطيني.
جلال نديم صالح