خطاب ترامب يفاقم التمييز العنصري في المجتمع الأمريكي
تحت العنوان البرّاق “أمريكا أولاً”، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ممارسة أبشع أنواع التمييز العنصري التي شهدها التاريخ الإنساني، معيداً إلى الأذهان ما قام به أجداده الأنغلوساكسون ضدّ الهنود الحمر، سكان البلاد الأصليين، من حملات إبادة وتهجير، كادت تصل إلى إبادة عرق إنساني كامل من على وجه الأرض، مع العلم أن وجود العرق الأبيض في أمريكا وجود استيطاني طارئ قام على حساب تهجير سكان البلاد الأصليين وإبادتهم. هذه الممارسات نسفت جميع المحاولات التي قامت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لطمس حالات التمييز العنصري في المجتمع الأمريكي والتغطية على الجرائم التي ارتكبت بحق المتحدّرين من أصول أجنبية، فقد أعاد ترامب إحياء النزعات العنصرية في المجتمع الأمريكي بخطابه المنحاز بشكل واضح وعلني ضد المهاجرين، ليعزّز بذلك نزعة العرق الأبيض، ويشعل فتيل انقسامات خطيرة بين الأمريكيين. تصريحات تحريضية وأخرى ساخرة ومستفزة أطلقها ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض عام 2017 ضد المهاجرين الموجودين في الولايات المتحدة، سواء بشكل شرعي أم غير شرعي، عزّزت أتباع اليمين المتطرّف ودعاة تفوّق العرق الأبيض، الذين بدؤوا بالظهور على نحو متزايد وتنظيم صفوفهم، كما حدث في مدينة شارلوتسفيل عام 2017 بعد أن دهس أحدهم حشداً من المتظاهرين ضد العنصرية، ما أدّى إلى مقتل امرأة وإصابة 19 آخرين.
نزعة العنصرية المتأصّلة في المجتمع الأمريكي عاودت الظهور بأبشع صورها عندما هاجم أمس الأول رجل أمريكي أبيض مركز احتجاز للمهاجرين في ولاية واشنطن مطلقاً قنابل حارقة وأعيرة نارية على المبنى الذي تحتجز فيه السلطات الأمريكية مهاجرين بانتظار إجراءات ترحيلهم بشكل قسري خارج الولايات المتحدة.
الهجوم العنصري بامتياز على المركز، الذي هو في الحقيقة سجن تزجّ فيه السلطات الأمريكية المهاجرين وأطفالهم في ظل ظروف غير إنسانية، جاء بعد ساعات قليلة من احتجاجات واسعة خرجت في واشنطن ونيويورك ومدن أمريكية أخرى للتنديد بسياسات ترامب ضد المهاجرين والحملة الشرسة التي يشنّها ضدهم سعياً منه لتحقيق مكاسب سياسية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
المحتجون على سياسات ترامب حول الهجرة رفعوا لافتات كتب عليها “هذه ليست مراكز احتجاز، بل معسكرات اعتقال حقيقية” و”مكان الأطفال ليس في الزنزانات”، وقد كشفت الصور القادمة من هذه المراكز حجم المأساة التي يعاني منها المهاجرون وأطفالهم بسبب حملة ترامب العنصرية لترحيلهم، ما دفع مفوضة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة ميشيل باشيليه إلى توجيه انتقادات لاذعة للإدارة الأمريكية بشأن الظروف التي يحتجز فيها المهاجرون “وإجبار الأطفال على النوم على الأرض في مراكز مكتظة دون إمكانية الحصول على رعاية صحية أو طعام ضمن ظروف صرف صحي سيئة”.
نواب في الكونغرس ومنظمات حقوقية كثيرة أعربوا عن قلقهم من أوضاع مراكز الاحتجاز على الحدود الأمريكية المكسيكية ووفاة أطفال المهاجرين بسبب الظروف التي يشهدونها داخل هذه المراكز، إلا أن موقف ترامب المتشدّد لم يتغيّر، بل ازداد تعنتاً وصرامة.
حقيقة أن ترامب عنصري غير مشكوك فيها، وهذا ما أكده مسؤولون كثيرون في إدارته، لكن حملة التعصّب الصريح التي يقودها تزداد خطورة، فمِن وصفه بعض المهاجرين غير الشرعيين بـ”الحيوانات” ونعتِه بعض الدول التي يأتي منها المهاجرون بـ”الأوكار القذرة”، إلى التباهي بنزعته العنصرية على مرأى ومسمع الجميع بحجة أن ما يقوم به لمصلحة الولايات المتحدة.
عمليات اعتقال المهاجرين بشكل جماعي وترحيلهم وحبس أطفالهم في أقفاص وإبعادهم عن ذويهم والتهديد بفرض السؤال عن الجنسية في الإحصاء السكاني العام للولايات المتحدة، كلها أمثلة واضحة على نزعة ترامب العنصرية.
تاريخ التمييز العنصري الأمريكي قديم، فقد كشف علماء الاجتماع، على غرار ديفيد سكوت فيتزجيرالد وديفيد كوك مارتن، أن الولايات المتحدة رائدة في تبني سياسات الهجرة التمييزية القائمة على العنصرية في القارة الأمريكية في أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، ويبدو أن ترامب يحاول بشتى الوسائل إحياء هذه السياسات تحقيقاً لمكاسب شخصية وأخرى سياسية وانتخابية تتضح مع مرور الأيام.