رغم إنهاء اللجان لدراساتها وما فيها من تطوير غير مسبوق ومختلف على مستوى القطاع والمنطقة! رؤية “التأمين الصحي” في سورية تواجه العرقلة.. فمن يحول بين رئاسة الوزراء وبينها ؟!
يقال: “كل شيء زاد عن حده انقلب ضده”، وما نقصده هنا أن اتباع أسلوب المماطلة والتسويف في قضية غاية في الأهمية، لها من الآثار الإيجابية ما يؤدي للارتقاء والتطور في قطاع ما، وللحد الذي يجعل منه قطاعاً رائداً على مستوى المنطقة، هو أسلوب لاشك سيؤدي لحرمان الاقتصاد الوطني، وبالتالي المواطن والشريحة المستهدفة، من ذلك الارتقاء والتطوير، فكيف إن كان هذا القطاع هو قطاع التأمين عامة والصحي خاصة في سورية؟!
نسأل بعد أن أنهت اللجان المشكلة من قبل رئاسة مجلس الوزراء (الرئاسة شكلت لجنة انبثقت عنها أربع لجان)، دراسة الرؤية التي قدمتها كل من هيئة الإشراف على التأمين، والمؤسسة العامة السورية للتأمين، التي تتمحور حول تطوير وتنظيم قطاع التأمين الصحي في سورية.
ونسأل أيضاً، بعد أن زاد التأخير عن حده، وأصبح غير مفهوم ومبرر، عدم صدور الموافقة النهائية على تلك الرؤية، ولاسيما إثر حصولها على مباركة كل اللجان بعد دراستها وتمحيصها، وما تضمنته من طروحات قابلة للتطبيق، ستغير وجه التأمين الصحي في سورية، ناهيكم عن أن بعضها سيكون (إن ما تم الإقرار النهائي للرؤية وتمكينها من متطلباتها) لأول مرة ليس على سورية فقط بل على المنطقة.
الرئاسة جادة..
ولعل التأخير يبدأ من وزارة المالية رغم ثناء وزيرها على الرؤية، والمفارقة أن رئيس مجلس الوزراء شخصياً -وكما أفدنا من مصادر تأمينية مطلعة- جاد في هذا الأمر ويعده إنجازاً إذا تم، إلى الدرجة الذي قد يعتبره من أهم الأعمال التي يمكن أن تسجل في سجل إدارته للحكومة، لكن هناك من يحاول -بخلاف رغبته- عرقلة وصول الإنجاز إلى خواتيمه الهامة المنتظرة؛ لأن ذلك ببساطة سيُفقد المُعطلين الكثير، إذا ما تم تنظيم القطاع وتطويره!
متخصصة بـ5 مليارات
ولكي لا نتهم بالتجني، سنعرض لأحد أهم ما تضمنته الرؤية، وهو تأسيس شركة تأمين صحي شبه حكومية (القسم الأكبر من أسهمها مملوك للدولة)، وبرأسمال ما بين 3- 5 مليارات ليرة.. لنبين ثمن التأخير الذي يتم دون أي مسوغ منطقي..، ولنبين كذلك ما يعنيه وجود شركة تأمين صحي متخصصة، والأول من نوعها على مستوى المنطقة -في حال ولادتها- من ضبط وتنظيم وفوائد وعوائد غير مسبوقة على مختلف الصعد..، ما يعنيه لمن يحاول عرقلة انطلاقها، وقوننة ذلك، عبر قانون التأمين المُنتظر بدوره أيضاً؛ فالشركة الأولى من نوعها عربياً، ستكون متخصصة بالتأمين الصحي، أي سيكون لها هيكلية متخصصة تأمينية طبية تدير التأمين الصحي في سورية.
ميزات للكل..
أما ما يعنيه وجودها، فهو أنها ستعطي ميزات لموظفي الدولة بالكامل، حيث سيشمل التأمين الصحي كافة العاملين في الدولة حتى المتقاعدين، والأهم أنها ستتمكن من زيادة التغطيات التأمينية بنسبة 3 أضعاف التغطيات الحالية، وسيكون لها فريق متخصص من كافة الجهات المعنية بالتأمين الصحي (وزارات المالية والصحة والتعليم العالي- التأمينات الاجتماعية– اتحاد نقابات العمال– النقابات الطبية المهنية كلها- مؤسسة التأمين والمعاشات– إضافة لمؤسسة وهيئة الإشراف على التأمين)، وهذا الفريق سيكون بمثابة مجلس إدارة للشركة، علماً أن تلك الجهات يمكنها المساهمة برأس المال، لكن المساهمة الأكبر ستكون للمؤسسة العامة السورية للتأمين.
ليس هذا فحسب، فوجود مثل هذه الشركة –حسب تأكيد مصادر تأمينية– سيؤدي إلى تخفيض علميات سوء الاستخدام لكافة الوسائل الفنية والتكنولوجية، بإدارة محفظة التأمين الصحي، وذلك بواسطة نظام تعريف لكل شخص مؤمن صحياً، غير المتبع حالياً..، ناهيكم عن رفع سوية الخدمة من قبل مزودي الخدمات الطبية، نتيجة لرفع أجورهم، ورفع قيمة الوحدة العلاجية في المشافي وغيرها، إضافة إلى أن الشبكة الطبية ستكون مختارة.
للمرة الأولى؟
الشركة ووفقاً للرؤية المتطورة ستكون مميزة من حيث التصنيف، حيث ستقوم وللمرة الأولى في تاريخ سورية الطبي، بإعداد تصنيف للمشافي والأطباء..إلخ، وهذا ما كانت وزارة الصحة لا تعيره أي اهتمام رغم أهميته القصوى وما يعنيه اقتصادياً ومالياً وطبياً؟!
وللمرة الأولى أيضاً في سورية سيتم ومن خلال الشركة استخدام السجل الإلكتروني، وهو الهوية الوطنية الطبية للمريض (207 مؤشرات طبية)، ولمن يعرف فوائد وأهمية هذا الأمر، يعي تماماً ما يعنيه تمكين هذه الشركة من الوجود والعمل بالسرعة الكلية، وبالوقت نفسه ما يعنيه تأخير ذلك! ناهيكم عن قدرة الشركة على توفير الموارد المالية لدعم قطاع التأمين الصحي، وفوق ذلك توفير العبء على الدولة من خلال استقطاب شريحة الموظفين بالكامل، والتي كانت تتلقى العلاج مجاناً في المشافي الحكومية (نحو 5 ملايين شخص من الموظفين وأسرهم والمتقاعدين).
برسم الرئاسة..؟
بعد هذا المختصر من المعلوم والفوائد والعوائد الكبيرة المباشرة.. وغيرها غير المباشر، والذي سيكون بمقدور شركة واحدة فعله وتحقيقه في قطاع يشكل عمود صحة السوريين وتمكينهم من العلاج بأرقى الوسائل والطرق العلاجية وأحدثها، وبالشكل الحضاري والكريم الذي يستحقه السوري وبما يضمن حق الدولة والمواطن، وينهض بقطاع يعد من أهم القطاعات الاقتصادية وخاصة خلال الأزمات لناحية ما يستطيعه من دعم مالي لخزينتنا العامة بالنهاية، ألا يستحق من رئاسة مجلس الوزراء السؤال عمن يقف دون وصوله لإنجازه، وأين هي هذه الرؤية؟
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com