“سِراجٌ وغُربتانِ وليل” جديد قحطان بيرقدار
“سراجٌ وغُربتانِ وليل” مجموعة شعرية للشاعر قحطان بيرقدار صدرت حديثاً عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب، وهي السادسة بعد مجموعاته الشعرية: “لو تعودينَ قبل أيلول” (دمشق 2002)، “في آخر الأعلى المُضيء” (اتحاد الكُتّاب العرب 2002)، “هجرةٌ في تفاصيل الحنين” (اتّحاد الكُتّاب العرب 2005)، “وجهٌ لأنثى من زمان الوصل” (وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب 2017)، والمجموعة الشعرية للأطفال “مِن نغمٍ إلى نغم” الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة عام 2008 بعد فوزها بالمركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال الشعر المُوجَّه إلى الطفل.
الشَّامُ قلبُ عاشقِها
جاءت “سراجٌ وغُربتانِ وليل” في (135) صفحة من القطع الصغير، وقد صمّمَ غلافَها الفنّان رامز حاج حسين، وضمّتْ قصائد الشعر ذاتَ البُعدِ الذاتيّ والوجدانيّ والتأمّليّ والفلسفي، التي كتبها بيرقدار بين العامَين (2005 و2015)، وهي قرابة (37) قصيدة، منها ما هو على نظام قصيدة الشَّطرَين، ومنها ما هو على نظام قصيدة التفعيلة، كما أنّ منها ما هو مُتوسِّط الطُّول نسبيّاً، ومنها ما هو على سبيل قصيدة الومضة. ومِن عناوين القصائد: “تحت القُبّة الخضراء، في هالة الغُربة، الخطوةُ الأولى والشمسُ فرسي، آخرُ شمعةٍ والسِّراجُ بعيد، كلامُ الصمت، في محراب الفقد، أعِدْ مجدَ قلبك، إلى جنّةٍ في الجحيم”.
جاءَ في قصيدة “كلام الصمت”:
“مأوايَ في الشَّام، لي فيها ابنةٌ شربتْ/ حنانَ رُوحيَ مُذْ سمّيتُهُ بردى/ حتّى غدتْ حينَ ضاعَ النَّهرُ لي رئةً/ وكوثراً في جِنانِ الرَّوْحِ ما وُرِدَا/ والشَّامُ، ما الشَّامُ إلّا قلبُ عاشقِها/ واللهُ، ما اللهُ إلّا قلبُ مَنْ عبَدا”.
تجلّياتِ الغُربة
وبين الشاعر بيرقدار أن المجموعة تلوحُ فيها أحوالٌ عدّة تعكسُ تجلّياتِ الغُربة في أكثر من مستوى، فهناك مُستوىً للغُربةِ ناجمٌ عن انغماس النفس في رغباتها الآنيّة المُتكرّرة، وهناك مُستوىً آخرُ للغُربةِ، يأخذُ بُعداً إيجابياً ناجمٌ عن محاولةِ النفس الخروجَ من عالمِها السُّفليّ المظلم إلى العوالم الطافحة بأنوار السِّراج بوصفه رمزاً للخلاص والنقاء والبياض.. كلّ ذلك عبرَ الزَّمن، ومراقبة النفس له ما بين ماضٍ وحاضر ومستقبل، ورصدها ما كانت عليه في زمن، وما أصبحتْ عليه في زمنٍ آخر عبرَ مجموعةٍ من التحوّلات والتغيّرات التي تحدثُ بفعل الزمن الحتميّ.
جاءَ في قصيدة “حلمٌ يملأُ الأرض”:
“أتركُ اليومَ في الدَّربِ وجهاً غريباً/ وأمضي إلى جنّتي الوارفَةْ/ لم أكنْ مُطمئنّاً لدربِ الفجائعِ/ لكنّما العقلُ في لحظةِ الوهمِ/ عبدٌ صغيرٌ لدى العاطفَةْ”…
وأشار بيرقدار إلى أن من يَتتبّع قصائدَ المجموعة يلاحظ تلكَ الفكرةَ العامّة التي هي في منزلةِ خيطٍ يربطُ قصائدَ المجموعة من بدايتها إلى نهايتها، فهناك حالةُ صراعٍ واضحةٌ تعيشُها النفسُ بين مُستوَيَي الغُربةِ آنِفَي الذِّكر في سبيلِ سعيها إلى التحرُّر ممّا هو زائل والاتّحاد بما هو باقٍ ومُضيءٌ.
هل يا تُرى سأعودُ طفلاً عاشقاً/ مِن قبلِ أن تنداحَ ظُلْمَةُ طَلْعَتِي؟/ حُلُمٌ يُحرِّرُني، أُحلِّقُ باكياً/نحوَ السِّراجِ على جَناحَيْ فِطْرَتي”.
عينَ الناقد
يوضح قحطان أنه كتب في الفترة الزمنيةِ نفسِها التي كتب فيها “سراج وغُربتان وليل” مجموعةَ قصائد حُبّ محضة، لكنّه لم يرغب أن يُدْرِجَها معَ قصائد “سراج وغُربتان وليل”، إذ وجدها خارجة عن سياقها، وتُشكِّلُ وحدَها مجموعةً مستقلّةً ذاتَ وحدةٍ عضوية، فكانَ أن جمع قصائدَ الحُبّ تلك في مجموعته “وجهٌ لأنثى من زمان الوصل”.
يؤمن قحطان أن الشّاعرُ يستطيع توصيفَ تجربتِه فهو أدرى بها، ويُدرِكُ التّحوّلات التي تعتريها بينَ مجموعةٍ شعريةٍ وأُخرى، لكنّ عينَ الناقد تبقى برأيه هي الأكثرَ قُدرةً على النظر بحياديّةٍ إلى تجربةِ الشاعر وتوصيفها، مُتمنّياً أن تتطوّر حالةُ المواكبة النقدية من قبل نُقّاد الشِّعر للجديد الذي يصدرُ في وطنِنا من مجموعاتٍ شعريّة، منوهاً إلى أنه ومع صُدور مجموعته “سراج وغُربتان وليل” يكون قد اختتم مرحلة من تجربته، وابتدأ مرحلةً أخرى، ويتجلّى ذلك بأن القصيدةَ لديه في السنوات الأخيرة اختلفت نوعاً ما عمّا سبقَ شكلاً ومضموناً تبعاً لاختلافِ نظرته إلى الشِّعر والحياة مع مرور الزمن، وهذا ما سيُلاحِظُهُ المتابعون في مجموعاته الشِّعرية التي قد تصدرُ في تالي السّنوات.
أمينة عباس