الحروب الأمريكية مضيعة للوقت والمال
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “ذا نيو رِبَبْليك” 12/7/2019
تتزايد يوماً بعد يوم الأصوات المندّدة بالحروب داخل الولايات المتحدة وخارجها، لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تسمع إلا صوتها وأصوات صقور الحرب، ورغم أن عمر الولايات المتحدة صغير نسبياً أمام الدول الأخرى، إلا أنها تعدّ اليوم من أكثر الدول التي خاضت وتخوض حروباً في عصرنا الحالي وتدفع تكاليف باهظة جراء ذلك.
على الرغم من رواياته المشوّشة عن تاريخ الولايات المتحدة وانتقاداته الحزبية وموقفه الديكتاتوري، إلا أن استعراض دونالد ترامب وخطابه الذي ألقاه في واشنطن يوم 4 تموز الجاري ما هو إلا محاولة للفت الانتباه إلى إحدى آخر قضايا التوافق في الثقافة الأمريكية المحطمة: “نحتفل بتاريخنا وشعبنا والأبطال الذين يدافعون بفخر عن علمنا، الرجال والنساء الشجعان في جيش الولايات المتحدة”.
تضاف “الحرب الطويلة” التي بدأت في 11 أيلول 2001 إلى دور المحاربين القدامى الضخم في الرواية الأمريكية، وأصبح تبجيل الخدمة العسكرية عنصراً لا غنى عنه في إستراتيجية الترغيب التي يتّبعها كل سياسي وكل مؤسسة، لكن فيما يتعلق بموضوع الحرب، لا يستمع أي شخص تقريباً في السياسة السائدة إلى “القوات العسكرية”.
هذا ما أشار إليه استطلاع الرأي الأخير الذي أجراه مركز “بيو” للأبحاث حول المحاربين القدامى الأمريكيين، إذ قالت فيه غالبيتهم إن الحروب في العراق وأفغانستان وسورية لا تستحق القتال، ولم تكن الفجوات بين الموافقة والرفض قريبة من هامش الخطأ المحدّد بنسبة 3.9% في الاستطلاع، وبالكاد اعتبر ثلث المحاربين القدامى أياً من تلك النزاعات جديرة بالاهتمام: قال 64٪ من المحاربين القدامى إن الحرب في العراق لم تكن تستحق القتال بالنظر إلى التكاليف مقابل الفوائد التي تعود على الولايات المتحدة، وتكاد تتطابق النسبة مع آراء عامة الشعب، إذ يقول 62٪ من الأمريكيين إن حرب العراق لم تكن تستحق القتال، وبالمثل، يقول غالبية المحاربين القدامى (58٪) وعامة الشعب (59٪) إن الحرب في أفغانستان لم تكن تستحق القتال.
ببساطة، ليس هنالك كتلة سائدة بين السياسيين في أي حزب يبدو مهتماً بآراء تلك الأغلبية، وفي الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2017، ناشد ترامب بالانسحاب من أفغانستان، بعد أن وافق باراك أوباما، الذي تمحورت حملته الانتخابية حول إنهاء حرب العراق، على زيادة عدد القوات في أفغانستان ووضع الأساس لمشاركة الولايات المتحدة في الحرب الدائرة في سورية، ولكن الأمر انتهى بترامب بتعميق التزام الولايات المتحدة في أفغانستان وإضافة قوات في سورية.
وإلى جانب الأفراد المنخرطين في السياسة، أُبطلت الحركات التي تنادي بالانسحاب الكامل من سورية وأفغانستان حالما وصلت إلى الكونغرس، رغم شعبيتها الواضحة بين الناخبين، وقد نادت كذلك بإلغاء تفويض الكونغرس لعام 2001 لاستخدام القوة العسكرية، وهو شيك مفتوح اعتمدته الإدارات المتتالية بعد 11 أيلول لتوسيع نطاق الحرب على الإرهاب دون قيود، ويبدو الأمر كما لو أن السياسيين لا يهتمون حقاً بما يريده الناخبون.
وهذا هو الاستنتاج الذي توصّل إليه علماء السياسة في صحيفة نيويورك تايمز هذا الأسبوع، فخلال العامين الماضيين، منح البروفيسور جوشوا كالا من جامعة ييل وأستاذ جامعة جورج واشنطن إيثان بورتر المشرّعين الأمريكيين إمكانية الوصول إلى معلومات الاقتراع التأسيسية حول مجموعة متنوعة من القضايا، من الحدّ الأدنى الإلزامي للعقوبة والتحقق من خلفية الأسلحة والحدّ الأدنى للأجور إلى الإجهاض وإلغاء برنامج أوباما كير، واستطلعا آراء المشرّعين حول ما اعتقده ناخبوهم، ووجدا أن “آراء الناخبين لا تحمل أي وزن تقريباً في منظور السياسيين”، رغم أن 87% من الأمريكيين اليوم يقولون إن السياسة مهمّة في حياتهم، هناك انفصال يتزايد اتساعه بين النزعة العسكرية عند السياسيين الذين ينادون “بدعم القوات” لدى الحزبين وبين الأمريكيين الذين خدموا في الجيش فعلاً ويشككون بفوائد الحروب.