بين فوضى التخطيط وضبابية الرؤية
من المؤسف أن بعض المؤسسات ترى في عملها الهش والترويج لنشاطها رؤية وخطة ثقافية، وهو ربما يكون جواباً على ضعف الأداء الثقافي، من هنا يبدأ التساؤل ما هي ركائز الخطط الثقافية الحقيقية؟ ولماذا غاب التخطيط والإستراتيجية الثقافية عن مؤسساتنا؟ وعن العلاقة التي تحكم المؤسسات الثقافية بالمؤسسات الإعلامية؟ هل ثمة تنسيق بين الإعلام والثقافة من أجل فعل ثقافي حقيقي؟ هل حاول الإعلام تصويب بعض الأخطاء في المشهد الثقافي من خلال سلطته وتأثيره؟ مجموعة من التساؤلات طرحت في الندوة التي أقامها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بعنوان “المؤسسات الثقافية.. فوضى التخطيط أم ضبابية الرؤية” بإدارة الأديب محمد الحوراني.
ثقافة نهضوية
يعد التخطيط الثقافي شرطاً لصناعة ثقافة نهضوية، والآراء تنقسم بين من يرى عدم ضرورة وضع تخطيط ثقافي استراتيجي لبلد ما، وبين من ينتصر لوضع خطط محددة وثابتة وواضحة المعالم تفرض على المؤسسات أن تتقيد بها، وعن التخطيط الثقافي قال د.ثائر زين الدين مدير الهيئة العامة للكتاب:
منذ ستينيات القرن الماضي بدأت تظهر ملامح عامة لتخطيط استراتيجي ثقافي ينطلق من رؤية القيادة وأفكار حزب البعث والأحزاب التي تجتمع معه في جبهة واحدة، بحيث تنطلق الخطة الثقافية منها، فوزارة الثقافة تضع دائماً خطة ثقافية شاملة في مديرياتها كافة بما تعنيه هذه المديريات من وجوه الإبداع والمعرفة مثل: الترجمة والتراث العربي والتأليف، ومنشورات الطفل والدوريات التي يصل عددها إلى 12 مجلة تقريباً، وتتضمن الخطة الشاملة للإصدارات لهذا العام 220 كتاباً، وحتى هذه اللحظة صدر 64 منها، وهناك اهتمام كبير بمنشورات الطفل التي بلغ عدد إصداراتها في العام الماضي 95 كتاباً إلى جانب الكتاب الإلكتروني ضمن خطة لنشره وتحمّيله على الموقع، دون نسيان الكتب الناطقة بصوت جميل ولغة سليمة ويوضع على قرص مدمج ويقدم بأسعار رمزية.
وأضاف زين الدين: القفزة النوعية التي حققتها الهيئة العامة السورية للكتاب هي المشروع الوطني للترجمة لنقل ثقافات وعلوم الآخر الذي بدأ عام 2017 ضمن خطة تنفيذية، وتم التواصل مع جهات مختلفة منها اتحاد الكتاب العرب ومجمع اللغة العربية والمعهد العالي للترجمة واتحاد الناشرين العرب، ونحن كوزارة ثقافة نقتني الكتاب بما يمكّن هذه الدار من أن تستعيد ثمن الكتاب، وفي الوقت ذاته نستقبل كتباً هامة وتشكل قيمة مضافة من خارج الخطة.
رافعة ثقافية
ويعتبر الإعلام جناح العمل الثقافي، فلا ثقافة بلا إعلام ولا إعلام بلا ثقافة، ومن الضروري أن يكون كل إعلامي مثقف وليس كل مثقف إعلامي، من هنا يرى ديب علي حسن رئيس قسم الثقافة في جريدة الثورة أن العلاقة ليست كما يرام بين المؤسسات المنتجة للكتاب والعمل في الثقافة باستثناء الهيئة العامة للكتاب التي تتقن فن التواصل والعمل والتحدث عن محطات في هذا المجال، بالإضافة إلى أن العلاقات الشخصية لها دور كبير، لكن يجب ألا تطغى على العمل، وفي المقابل يرى بعض المسؤولين الثقافيين أن الصحفي تابع لهم، ولكن في الحقيقة يجب أن تكون العلاقة ندية، لذلك أدعو أن يكون الإعلام الثقافي قادراً على صناعة ثقافة حقيقية ورسم ملامح مشهد ثقافي مع المؤسسات الأخرى والوصول إلى الفعل وليس رد الفعل، فنحن أمام مشهد ثقافي وإعلامي يحتاج إلى عمل دؤوب ومستمر وبذل طاقات مادية ومعنوية للانطلاق، وفي الصفحة الثقافية في جريدة الثورة والملحق الثقافي لم نكن مقصرين في مواكبة الأنشطة الثقافية والإصدارات الحديثة سواء في دور النشر الخاصة أو المؤسسات الحكومية. وفي النهاية الإعلام هو رافعة الكتاب، ونحن في الصحافة الورقية نبذل قصارى الجهد دون إغفال الإعلام المرئي الذي لا نجد فيه برنامجاً يناقش كتاباً.
تخطيط ثقافي
وتحت عنوان “من غياب الإستراتيجية الثقافية إلى انعدام التخطيط” قال الأديب الأرقم الزعبي: من الصعب التخطيط للثقافة لأنه تخطيط يهدف إلى تغيير أنماط التفكير وغرس قيم جديدة وترك عادات وتقاليد لا يرى الواقف وراء سياسات الخطة الثقافية وأهدافها مسوغاً لها، والإشكالية تكمن بعدم القدرة على عزل المتغيرات غير المرغوبة، وخصوصاً أننا اليوم أمام متغيرات متسارعة تتزامن مع سقوط مفهوم التحصين الثقافي والرسالة الأيديولوجية المغلقة، وتعذر بناء الأسوار حول المجتمع المستهدف ثقافياً. ولعل الإرهاب من أخطر أنواع الثقافات، ويجب أن ندرك أن أي خطة ثقافية يجب أن تصب في خانة التنوير والتشاركية وتشجيع الحوار وتعزيز كل من شأنه الحفاظ على الدولة ومكوناتها واحترام حقوق الإنسان ودولة القانون والحريات، هي خطة لمواجهة الإرهاب.
جمان بركات