شعوذة..!؟
كثيرةٌ هي أسبابُ الانكفاء على الغيبيّات والماورائيّات، في أجواء الحروب، في تاريخ الشّعوب والمجتمعات. ولعلّ الفضول الذّاتي والصّحفي؛ دفعني هذه المرّة لقبول عرض صديقٍ بمرافقته إلى مجلس أحد محضّري الأرواح والمعالجين بالرّقية، لم يذهلني المشهد، ولم أُفاجأ بالحضور وبمستوياتهم الاجتماعية والعلميّة المُفترَضة، كما في المرّة الأولى، ولم تحجب سُحُب دُخان البخّور المتصاعدة في الفضاء الضيّق المغلق فرصة سبر أغوار المشهد المؤلم؛ إذ لم تعُد ممارسة السّحر والشّعوذة قصراً على الأميّين والجهلة وأنصاف المتعلّمين؛ – كما يظنّ البعض- بل باتت تضمّ في صفوفها عدداً لا بأس به من حائزي الشّهادات على اختلافها، وبعضاً لا بأس به ممن يعدّون أنفسهم نخباً ثقافية واجتماعيّة!؟
وممّا يتكشّف للمراقب ومن دون كبير عناء؛ أنّ هذه العيّنة من العرّافين وممارسي السّحر والشّعوذة يخلطون بين السّحر والدّين عن سابق إصرار وتصميم، بغية ترويج بضاعتهم، ويزعمون القدرة على علاج الأمراض عبر تحضير الأرواح. وما لا يمكن إنكاره: أنّ نسبة لا بأس بها من النّساء يعتقدن بفعل الخرافات والرّقية، ويتردّدن على المشعوذين والدّجالين سرّاً وعلانية؛ الذين يدّعون كذباً قدرتهم على تسخير الجان وعلاج الأمراض والمشكلات الصّحية والاجتماعية والاقتصادية، في ظلّ اعتقاد بعض الأسر بقدرة هؤلاء على حلّ كثير من المشاكل المستعصية ولاسيّما الاجتماعيّة منها؛ كالتّأخر في الزّواج، أو فك السّحر، أو درء زيجة الرّجل من امرأة أخرى، أو حبس الجنيّ القائم بالمطاردة في زجاجة، أو الصّحية كعدم الإنجاب أو العقم، وكذا علاج الأمراض المستعصية..!؟
والحال أنّ شيوع العقلية الخرافيّة يتسبّب بموت آلاف الأطفال واليافعة سنويّاً من جرّاء العلاج الشّعبي والخرزة الزرقاء وصيبة العين وصبّ الرّصاص. وبسبب هذه الخرافات تتعرّض الكثير من النّساء لاغتصاب حفنة من الدّجالين تحت عناوين: العلاج من العقم، أو فكّ السحر عن أزواجهن المصابين بالعنّة. وثمّة من يحاجّ بالقول: هذي صحفكم وفضائياتكم ملأى بالمساحات المخصّصة للأبراج وما تستبطنه من الماورائيات؛ مما يجعل منها متكأً تسويغياً لكثير من المشعوذين وغطاءً سيكولوجياً لكثير من مريديهم!؟
بيد أنّ السّؤال الأهم: هل جال في خاطرنا يوماً أن نتساءل: كم عدد محضّري الأرواح، وقارئي الطّالع، وضاربي الودع، ودجّالي التّنجيم في مجتمعنا؟ وهلّا جشّمنا أنفسنا عناء تحصين ضحاياهم المفترضين من خلال خطّة عمل وطنيّة رسميّة وأهليّة للوصول إليهم؟
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com