هل المصطلحات شعارات أم أهداف؟
نعم يمكن أن تكون المصطلحات شعارات وأهدافاً في العلوم الاجتماعية، لكنها لا يمكن أن تكون كذلك في العلوم الأساسية والتطبيقية.
وحين تكون المصطلحات شعارات وأهدافاً – وهو ما نعنيه هنا – فإنها تقع في ميدان مضطرب للتأويل والاجتهاد بين النظرية والتطبيق. وغالباً ما يكون هناك خلاف في شأنها ولا سيما بين البعدين: المعرفي والوظيفي. ولذلك يصعب في هذا السياق أن تتشكّل بناء عليها مفاهيم متفق عليها لأنها تصبح بمثابة إيديولوجيا، بينما هي في سياق العلوم الأساسية علمٌ على مستوى عالمي، مع الإشارة إلى أن هناك من يقول إن الحياد العلمي صار اليوم وهماً.
في الظروف التي يرزح وطننا العربي اليوم تحت وطأتها، وبخاصة العدوان على سورية أرضاً وشعباً وأهدافاً ومبادىء، في هذه الظروف تم استثمار المصطلح أبشع استثمار، فالخراب سُمّي ربيعاً، والفوضى حرية، والمقاومة إرهاباً، والتطرف والتكفير ثورة، والتطبيع والاستسلام اعتدالاً… إلخ، ما أسهم في تفكيك وتشتيت الوعي والهوية والوحدة المجتمعية والوطنية، وفي تقدّم أسوأ أنواع الغزو الثقافي اقتراناً بالتمهيد لخوض الجيل الرابع من الحروب التي استخدمت الانزياح في المصطلحات، والانحراف في معانيها ووظيفتها استخداماً تفجيرياً لتصبح المصطلحات قذائف مدمّرة.
هذا يلقي على عاتق القوى الحية في المجتمع من أحزاب ومنظمات ونقابات مسؤوليات جساماً ترتّب عليها النهوض بمهام التصدي لهذا العبث بمفاهيم المصطلحات، ولتوظيفها التخريبي والفتنوي الهدّام من خلال العمل على تكريس مفاهيم جمعيّة تنطلق من بناء عقلي ووطني في آن معاً يعمل على تأسيس اتفاق بين مختلف التيارات الوطنية على البعدين المعرفي والوظيفي للمصطلح بحيث يقع المصطلح في سياق العقد الاجتماعي ويتم العمل عليه على أنه بمثابة رديف للشعارات وللأهداف الوطنية.
في هذا السياق، وفي مناخ الحرب على سورية التي كانت ولاتزال وستبقى قلب العروبة النابض، كان لا بد من مواجهة الأدبيات المضادة للمشروع الوطني والعروبي مواجهة تستلزم توافر الأدوات والوسائل نفسها، وذلك بالتسلّح بالمعرفة والوعي والالتزام والانتماء وقوة الإرادة.
هذه المواجهة التي بدأها واضطلع بها الرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد منذ اللحظات الأولى للعدوان على سورية، فبدأ بنهج الحوار الموسّع والطويل مع شرائح واسعة من مختلف قطاعات الشعب ومن مختلف المحافظات، ثم بمشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل، ثم بالمصالحات، وبمراسيم العفو المتتالية… وأرفق ذلك كله بإسهامات جادّة وعديدة ومهمة في تفنيد ادعاءات واصطلاحات وتحالفات أعداء سورية. فكان لأحاديث سيادته في الوطنية، والعروبية، والإسلام، والعلمانية،.. إلخ معانٍ ودلالات غنية معرفياً ووطنياً وعروبياً أسهمت إسهاماً فاعلاً وناجزاً في التصدي للحرب على سورية والمؤامرة على ثوابتها ومبادئها الوطنية والقومية.
ومع الانتصارات المتتالية التي ينجزها صمود الشعب والجيش والقائد لم يكتفِ أعداؤنا بالمواجهة في الميدان، بل لجؤوا إلى إضرام حرب الأفكار والمبادىء والمصطلحات، تلك الحرب التي تخوضها جماهير شعبنا وحزبنا.
ومن تجليات هذه المواجهة، بل من إحدى محطاتها كانت بالأمس مبادرة الرفيق الأمين العام للحزب المشاركة في إحدى جلسات الدورة الحوارية التي أقامها مكتب الشباب في القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي وضمّت عدداً من الرفاق في مؤسسات الحزب والمنظمات والنقابات من سائر الفروع في المحافظات والجامعات بعنوان: المصطلحات التقليدية والحديثة وأثر الحرب فيها.
استمر الحوار التفاعلي بين الرفيق الأمين العام والرفاق المشاركين في الدورة ثلاث ساعات متواصلة مكثّفة تأسس الحوار فيها على أن الآخر غير الموجود في القاعة هو الحاضر في الذهن وفي الوجدان، وهو الغاية والهدف، وأنه بات من الضروري من الآن فصاعداً، وبعد الانتصارات التي تحققت على الإرهاب، الإقلاع بالحوار الشفاف مع الآخر وفق آليات تنتقل به من حيز التفاعل إلى حيز الإنتاج، فقد مكّنت سنوات الحرب التسع الماضية من صقل وعي السوريين وعلّمتهم أن ما نَعِموا به طوال عقود من عيش مشترك وإخاء وتجانس وروح وطنية إرث ثمين ورصيد غالٍ ينبغي الحفاظ عليه والدفاع عنه في وجه المؤامرات التي استهدفتهم جميعاً دون استثناء.
لقد جدّد حديث الرفيق الأمين العام للحزب وحواره التفاعلي مع الشباب الثقة بالنهوض السوري من خلال قناعة راسخة بقدرة الأجيال الجديدة على صناعة الغد المشرق استناداً إلى مجموعة من المرتكزات وفي مقدمتها الجهوزية لخوض الحوار المسؤول المستند إلى المرجعيات والأهداف الوطنية فكانت جلسة أمس بمثابة مشهد واعد لسورية المستقبل.
ومع أهمية هذا الحوار مع السيد الرئيس.. فلطالما حظيت قطاعات واسعة ومتنوعة من شعبنا بمثله في الأسلوب والهدف والنتيجة. ما يبعث على الثقة والأمل والتفاؤل.
د. عبد اللطيف عمران