عندما نفهمها بشكل صحيح “احترام الآخر”.. علاقة قائمة على القيم والأخلاق.. وضوابط ترتقي بالمجتمع
عدد كبير ممن التقيناهم لمناقشة مفهوم احترام الآخر أكدوا على ضرورة احترام معتقدات الآخرين لأنها تعكس احترام الإنسان لعقيدته، وهي من أمتن خطوات المحبة، ونبذ الجهل والتخلف في المجتمع، كما أبدى معظمهم رفضه للمفاهيم الأحادية التي تعتبر أن قيمة الفرد تقدّر في مدى انخراطه في التقاليد الجماعية عوضاً عن تقييمه من خلال عمله لتطوير هذا المجتمع، بل أكد بعضهم الآخر على ضرورة الارتقاء بمفهوم احترام الآخر في كل معاملاتنا، وصولاً لدرجة الاحترام من أجل الاحترام الذي يسلكه الأشخاص الذين تربّوا على القيم والأخلاق السامية، وتعلّموا قيمة الاحترام في حياتهم، وحياة مجتمعاتهم، فمد يد العون والمساعدة للآخر واجب على الجميع حتى وإن كان لا يخصنا ولا نعرفه، أيضاً الحفاظ على الأماكن العامة، والبيئة، وممتلكات الآخرين، إلا أن كل ذلك يجب أن تحكمه ضوابط، فاحترام الآخر لا يعني السكوت عن أخطائه، وخاصة التي تمس سلامة الغير وتقدمه، فنقد الانحرافات ضرورة لضمان سير المجتمع وتقدمه.
العقل الأحادي
الدكتور علي الحصري، كلية التربية، جامعة دمشق، أكد أن إحدى المشكلات الكبرى التي تواجه العقل في مجتمعنا هي أنه عقل قياسي لدى الكثيرين، حيث يعودون للخلف لتفسير أية ظاهرة تواجههم، وبالتالي صعوبة تحديث الفكر الجمعي العربي، ومواكبته للعصر، كما أنه عقل أحادي في كثير من الأحيان، ولا يقبل الثنائية والتعدد، وذلك ما تسبب بمعظم الآفات الاجتماعية، إضافة للمعالجات السطحية للمشكلات دون البحث عن البذور والأسباب، ما يخلق نوعاً من الازدواجية في السلوك، ويجعل القيم النبيلة عبارات بلاغية مفارقة للسلوك اليومي، فمشكلة عدم احترام الآخر حاضرة لدى عدد كبير من الأشخاص في مجتمعنا، ويمكننا أن نضيف على أسبابها الجهل بالآخر، فيتم في المدارس مثلاً عزل الطلاب المنتمين لديانات مختلفة عند إعطاء حصص التربية الدينية احتراماً للخصوصية الاجتماعية، ولكن بالمقابل جميع الديانات تجمعها معظم المبادىء، والقيم الأخلاقية، وتكمل بعضها، في حين تختلف في أمور وأحكام قليلة، ويمكن وضع المبادىء والقيم الموحدة في كتاب مدرسي واحد ضمن إطار أخلاقي، وتدريسه لتعزيز الوحدة الاجتماعية، وتنشئة ثقافة احترام الآخر لدى الطلاب منذ طفولتهم، والحيلولة دون انتشار أية بذور للتفرقة حتى لو كانت كامنة داخل النفوس، وهذا سيمنع استغلال بعض الفئات المتخلفة والرجعية لهذا الأمر الذين يصورون الآخر المختلف على اعتباره شراً وحالة انحراف، كما يجب تكثيف الندوات والمحاضرات التي تدعو إلى الفكر التنويري، ومواجهة الأفكار التعصبية التي تم إقحامها في مجتمعاتنا منذ العصر العباسي خدمة للدولة العباسية في حينه التي دعت لمحاربة الآخر وعدم احترامه، ما أنتج التخلف والإرهاب، صحيح أنه تم القضاء على عدد كبير من قطعان الإرهابيين المنحرفين في سورية، إلا أن أفكارهم مازالت تسكن في قلوب بعض المضللين الذين هم بحاجة للتوعية كونه سبق أن تم غسل أدمغتهم، ويجب التذكير بأن التدين يمثّل علاقة الإنسان بربه، وهو ظاهرة فردية، وأن انتشاره الواسع وبشكل جماعي يدل على وجود الإكراه، فالله خلق البشر مختلفين، وجعل الاختلاف من سنن الكون، ووجود شخص غير متدين أو ملحد لا يعني أن هذا الشخص سيىء، أو يشكّل خطراً لأن معظم الملحدين كانوا ضحايا لممارسات اجتماعية سلبية دفعتهم للإلحاد، ونوّه الحصري إلى ضرورة تعزيز مفهوم الوطنية لدى الجميع، وجعله فوق كل الانتماءات لتحقيق احترام الآخر، وتقدم المجتمع، وأن كل ممانعة لمفهوم الدولة الوطنية تعني عدم القبول بالآخرين في جوار بعضهم ستؤدي لنشوء ظواهر اجتماعية خطيرة ومدمرة، فاحترام الآخر مفهوم رئيسي من مفاهيم الدولة الحديثة القائمة على مفهوم المواطنة الذي يعني تساوي الأفراد أمام القانون، بغض النظر عن الأشياء التي تميزهم.
الطاعة العمياء
الاحترام من القيم الهامة التي يتمتع بها الإنسان، والتي يتم اكتسابها منذ الصغر، فعندما ينشأ الطفل يشاهد احترام والديه للأشخاص المحيطين بهما من الأقارب، والجيران، وكل من يتعامل معهما، وتترسخ لدى الفرد فكرة أن من حق الآخر عليه احترامه وتقديره مهما كبر أو صغر شأنه وفقاً لما أكدته الدكتورة هناء برقاوي، قسم علم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة دمشق، فالصغير يحترم الكبير، والطالب يحترم المدرّس، والموظف يحترم المدير، وهذا ليس انتقاصاً، وإنما لتقدير الآخر، إلا أن الاحترام لا يعني الطاعة العمياء، ولا الانقياد وراء الآخر على الخطأ، كما أننا غير مجبرين على احترام الشخص السيىء أو الخارج عن القوانين والمثل أو القيم الأخلاقية، فهذا بعيد كل البعد عن مفهوم الاحترام، كما أن إظهار مستوى من الاحترام لفئة من الناس أكثر من غيرهم لا يعد سلوكاً خاطئاً البتة، فالشخص النزيه يستحق مزيداً من الاحترام مقارنة بالشخص الكاذب، ويفضل عدم المبالغة في الاحترام حتى لا يساء الفهم، ولكي نستطيع احترام الآخر لابد من أن نحترم ذواتنا، ولابد لنا أيضاً من معرفة الذات واحترامها كون ذلك من أهم العوامل المساعدة على احترام الآخر وتقديره، وأن أحد أساليب احترام الآخرين التحدث بأسلوب لبق، مع مراعاة عدم استخدام أية كلمات خارجة عن حدود الأخلاق والذوق، والتحدث معهم بأسلوب حواري هادىء يجمع بين الأخلاق الحسنة والعادات الاجتماعية السليمة، ولا يجب أن نستخف بآراء الآخرين مهما كانت مخالفة لآرائنا وطريقة تفكيرنا، والتيقن بأن الأفكار والمعتقدات تختلف من شخص لآخر، وهذا لا يعني أن يكون أحد الأشخاص على خطأ، ويتوجب علينا احترام عادات وتقاليد ومعتقدات الآخرين حتى لو كانت بعيدة وغريبة ومختلفة عما لدينا، وعدم الاستهزاء بالآخر لشكله، أو كلامه، أو لأي شيء لا يتوافق مع ما نريده من الآخر، ومد يد العون وتقديم المساعدة للآخرين عند تمكننا من ذلك.
آفة خطيرة
عتاب الزحيلي، مستشارة اجتماعية وطالبة ماجستير، قسم علم الاجتماع، جامعة دمشق، أكدت أن الكثير من المجتمعات، وخاصة العربية منها، مازالت في غفلة عن مفهوم احترام الآخر، فمعظم أفراد هذه المجتمعات يعتقدون أن المعنيين بالاحترام هم أنفسهم فقط لا غيرهم، وأن واجب الغير أن يحترمهم لاعتقادهم الزائف أنه أقل مكانة منهم، دون أن يعترفوا لهذا الغير بنصيبه من الاحترام، وهذا يشكّل فجوة كبيرة وآفة خطيرة لأساس المجتمع الذي يفترض أن يبنى على التنوع واحترام الجميع لآراء ومعتقدات وقيم وعادات بعضهم، وأن أساس فكرة الاحترام تبدأ منذ النشأة الأولى للإنسان من خلال إتاحة الفرصة للطفل بالتعبير عن أفكاره وذاته واحترام حقوقه، فتكون محصلة ذلك بناء جيل متين يحترم ذاته والآخرين معاً، فاحترام الآخر لا يقتصر فقط على الاحترام المتبادل بين الطرفين، بل يتضمن أيضاً السماح للآخر بممارسة خياراته دون أي احتقار أو كره، فالمجتمع المبني على الحقد والكره يبقى دائماً عرضة للانهيار، وفي يومنا هذا نشاهد بكثافة حالات منفرة لعدم احترام الآخر وازدرائه من خلال تعليقات عدد كبير من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، وظواهر شتم الآخر، وخاصة إذا كان شخصية عامة كالممثلين، أو السياسيين، وغيرهم من فئات المجتمع.
بشار محي الدين المحمد