ليبيا.. إلى الحرب الإقليمية
لمى عجاج
هنا في طرابلس عاصمة ليبيا، ما زالت الحياة مستمرة، فالأطفال يلعبون والمقاهي مكتظة بمرتاديها حتى ساعات متأخرة من الليل، وأصحاب صالونات التجميل يتحدثون عن ازدياد في أعداد من يقبلون على عمليات تجميل الأنف وعلاجات الليزر وإزالة الشعر. وحسب أقوال الدكتورة خيرية دغمان نائب مدير مستشفى الخضراء بطرابلس ( الحرب لم تقطع العادة) فبعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية اعتاد الليبيون على سماع أصوات قصف المدفعية وتعايشوا معها.
بعد أن تمت الإطاحة بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي في عام 2011 كانت هناك العديد من المحاولات للتدخل في ليبيا، وفي عام 2016 أنشأت الأمم المتحدة “حكومة الوفاق الوطني” المدعومة من الغرب التي تسعى للسيطرة على طرابلس. وفي المقلب الآخر هناك الجيش الليبي تحت قيادة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي والذي يسيطر على شرق ليبيا وجزء كبير من الجنوب بما في ذلك أكبر حقول النفط في ليبيا.
لقد أثار تقدم قوات حفتر باتجاه طرابلس قلق كل من تركيا وقطر فأرسلت الأسلحة والشاحنات المدرعة لدعم الميليشيات المتطرفة في طرابلس، فرغم ادعاء كلتا الدولتين و وقوفهما جنباً إلى جنب لدعم قوى التغيير الديمقراطي الشعبي إلا أنهما تقومان بتسليح الجماعات الإرهابية التي تشاطرهما الفكر الأيديولوجي المتطرف.إن التدخل الأجنبي يجازف مجازفة كبيرة بالمخاطرة بتحويل الحربٍ إلى حربٍ إقليمية ففي حزيران هدد رجال حفتر بضرب جميع السفن التركية في المياه الليبية واحتجزوا ستة بحارة أتراك ولم يفرجوا عنهم إلا بعد أن هددت تركيا بعملٍ عسكري. كما بدا أن مجلس الأمن في الأمم المتحدة منقسمٌ فيما بينه لكبح جماح الطرفين، فالحكام المستعمرون السابقون لليبيا فرنسا وإيطاليا دعموا الأطراف المعارضة التي تشبع مصالحهم النفطية وتغذيها (كشركة توتال الفرنسية التي تمتلك أغلب حقولها في الشرق، بينما تتركز شركة النفط الايطالية العملاقة ايني في الغرب)
الموقف الروسي
اختارت روسيا الدور التوفيقي في الأزمة الليبية، ودعت في أكثر من مناسبة إلى حل الصراع عبر الحوار والتسوية، ومؤخراً قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي : “يجب أن نتذكر من دمر الدولة في ليبيا، ومن الضروري وقف إطلاق النار، وبدء الحوار بين الأطراف الليبية، لأن من تسبب بتدمير الدولة في ليبيا هو قصف الناتو”.
الموقف الروسي نابع من الإحساس بتدهور الأوضاع وتنامي النشاط الإرهابي وما يترافق ذلك من ازدياد في عدد الضحايا، لذلك من المهم أن يكون هناك وقف لإطلاق النار بين الأطراف العسكرية والسياسية الليبية، وأن تفتح قنوات الحوار وتتخذ إجراءات لاستعادة العملية السياسية بهدف تجاوز الانقسام في البلاد وإنشاء مؤسسات موحدة وفاعلة للدولة، وعدم السماح بتدمير الدولة في ليبيا، خاصة أن التدمير جاء بالدرجة الأولى من قبل الناتو وقصفت الطائرات الأوروبية لليبيا، وكانت النتيجة تدمير الدولة في ليبيا وانتشار الفوضى والصراعات في أراضيها بين مختلف الجماعات المسلحة.
وبحسب بوتين، روسيا لا تتهرب من المشاركة في التسوية، لكنها لا تريد التعمق في هذه القضية بشكل كامل، لأن لدى روسيا اتصالات مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج ومع قائد “الجيش الوطني الليبي” خليفة حفتر على حد سواء، لكن ما يقلق الرئيس بوتين هو تسلل المسلحين من إدلب السورية إلى ليبيا، وهذا الأمر يشكل خطراً على الجميع.
الموقف الأمريكي
في هذه الأثناء تصرفت أمريكا كالمتفرج في الوقت الذي كانت تستطيع فيه أن تكون حكماً في هذا النزاع، إنها تقف كالمتفرج منذ الفترة التي كان فيها باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، فهي من اختارت أن “تقود من الخلف” عندما اتصل الرئيس الحالي للولايات المتحدة دونالد ترامب بالمشير حفتر –الحاصل على الجنسية الأمريكية- لتهنئته عندما بدا لها أن هجومه سيكون ناجحاً وهددت باستخدام حق النقض الفيتو بعد أن كانت مؤيدة للدعوات المطالبة بوقف إطلاق النار في الأمم المتحدة، ولكن يبدو أن اهتمام السيد ترامب قد خبا وتضاءل بعد فشل الهجوم الذي قاده حفتر، ليتراجع عن قراره كما جرت العادة في كل “حروبه الغبية” التي خاضها في الشرق الأوسط. ولكن وعلى الرغم من الصراع الدائر فقد استقر الدينار وتعافى إنتاج النفط وبلغ ذروته عقب الأحداث التي شهدتها ليبيا في عام 2011 والتي بلغت 1,1مليون برميل يومياً، هذه الأسعار الحالية التي جعلت ليبيا تكسب 27ملياردولار هذا العام، ففي هذا القتال الطاحن يتجنب كلاً من المعسكرين أي شيءٍ من شأنه أن يلحق الأذى بحقول النفط لأن إيراداتها تدفع رواتب الأطراف المتصارعة من الجهتين.
بالإضافة الى الدورالأمريكي الخفي في تأجيج الصراع، فرضت الأمم المتحدة حظراً على مبيعات النفط الليبية، كما أن الجهود السابقة التي بُذلت من قبل لبيع النفط تم إحباطها من قبل أمريكا.
قد يتحول القتال الدائر في ليبيا ليصبح أكثر تدميراً فبعد أن دُمّر المطار الدولي تهدد الضربات الجوية على طرابلس بتدمير المطار الثاني وإخراجه عن الخدمة حتى أن خطوط الكهرباء وأنابيب المياه التي تضخ المياه العذبة من الخزانات الجوفية التي تختزنها الصحراء قد تعرضت أيضا للهجوم، فضلاً عن مغادرة أكثر من 100000ألف شخص الضواحي النائية في العاصمة إلى وسط المدينة، إن معظم الناس في ليبيا يريدون حكومة قادرة على جمع الأنقاض التي خلفتها الفوضى التي عاثت في البلاد خراباً ووضع حدٍ لابتزاز الميليشيات واختلاسهم للبنك المركزي ولحروبهم الطاحنة التي تدور رحاها في العاصمة، فالأمر أصبح أشبه (بترويض القطط الوحشية في السيرك؛ على حد تعبير مسؤول حكومي في طرابلس)، فحتى الآن لا يزال الرعب مستمراً ولا يزال القصف يطال حتى المستشفيات الميدانية وسيارات الإسعاف التي تنقل المرضى.