موســــم صيــــد الغـــــزلان
عندما يبدأ القارئ في هذه الرواية عليه أن يتجرد من معتقداته الإيمانية ليتقبل الكم الكبير من الأسئلة الوجودية والدينية والفلسفية، فإذا كان هناك اتفاق أو اختلاف عن محتوى أو أفكار أو حبكة أحمد مراد، يجب الاعتراف بأنه يملك أسلوباً سردياً خاصاً به، مبهراً وأنيقاً وسلساً، يملك فلسفة منطقية وقدرة على تطويع المشهد ليظهر مرئياً ملموساً. ليس من المفترض أن يكون ذلك فقط مع رواية “موسم صيد الغزلان”، في العموم يجب أن نضع قناعاتنا الدينية والأخلاقية جانباً عندما نقرأ أي رواية أو كتاب كي يكون التقييم موضوعياً دون تحيزات مسبقة للأفكار.
تدور أحداث الرواية في زمن مستقبلي حيث يستخدم البشر نظارات للواقع الافتراضي وتلازمهم في حياتهم، وسيارات طائرة للانتقالات، وهناك نوع متطور من البشر ونوع آخر يقطن العشوائيات، بطل الرواية “نديم” الدكتور البيولوجي ودكتور في علم النفس التطوري، يقوم بإلقاء محاضرات يحضرها الكثير من المريدين ويقوم فيها بشتم المقدسات عمداً واحتقار الأديان باعتبارها قصص أطفال حاكها البسطاء في عقولهم لإيجاد الإجابة عن الأسئلة الصعبة التي لم تستطع عقولهم البسيطة استساغتها على مر الزمان. “نديم” متزوج من “مريم” وقد ضرب الملل علاقتهما فهي تعاني من اضطرابات عقلية وانفصال تام عن الواقع حيث تسبح في عالم النجوم والأبراج وتعزي تفسير كل أحداث حياتها إلى حركة الأبراج والكواكب.
تبدأ الرواية بحلم يرى فيه “نديم” فتاة بيضاء حمراء الشعر ثم يستيقظ متسائلاً عن سببه وماهيته، ثم يكتشف وجودها في محاضرته في نفس اليوم فيعرف أن اسمها “تاليا” وبجانبها “طارق” زوجها الذي يملك فيلا في حي الزمالك القديم والمهجور يسميها “الملاذ” ويستخدمها في العلاج بالتأمل، فيصبح شغل نديم الشاغل منذ لحظة تعرفه بطارق وحتى نهاية الرواية هو كيفية “صيد تاليا” وخطفها من زوجها، ويستطرد في هذا الأمر بشكل مبتذل، حتى يبدو عقله وكأنه لا يحوي أي شيء غير الجنس.
الرواية تنقسم إلى ثلاث فقرات تحتوي كل منها مراحل الفترة التي عاشها “نديم” فالفقرة الأولى تضمنت شكل المستقبل والتقنيات المرعبة، فالكاتب يصف العالم بأنه يرتاد الطائرات الذكية، يتنفس المحيط الخارجي بواسطة عدسة “العين الثالثة” التي لا تفارق الشخص أبداً، وإلا سيفقد حواسه، ذاكرته، مشاعره، حتى أحلامه، بالإضافة إلى وسائل التخاطب مع البشر، عالم تصبح فيه “سرعة الذكاء الصناعي للروبوت سبعة وسبعين مليون مرة أسرع منا كبشر”، حسبما يحاضر نديم بطل الرواية. وفي هذا الجزء أيضاً يجيد الكاتب طرح فلسفته عن الإلحاد من خلال محاضرات “نديم” والمونولوجات الفلسفية عن الآلهة والشيطان.
الفقرة الثانية كانت عن “الملاذ”، فلسفة الثلاث مراحل في سبيل الوصول للسلام النفسي حيث يخضع “نديم” لتجربة نفسية مؤلمة فيبدأ باسترجاع حيواته السابقة في أزمنة سابقة وفي أجساد غريبة، ويستغل “طارق” مهارته كمعالج نفسي ماهر في إقناعه باستكمال التجربة المؤلمة لنهايتها، يعاني نديم من كثير من الهلوسات حتى يكاد يصاب بالجنون وفقدان التمييز بين الحقيقة والخيال والحاضر والمستقبل، حيث تبدأ حيواته السابقة في التداخل مع حياته الحالية.
تسير أحداث الرواية بنديم بين الحاضر والماضي حيث نتبين جذور إلحاده إثر تعرضه لصدمة نفسية فقد فيها ابنته “سلاف” في تفجير إرهابي، فقرر الانتقام من الإله في محاولات عديدة لإثبات عدم وجوده أو موته حسب تعبير نيتشه.
في هذا الجزء نرى أن المحرض الأساسي للحبكة كان طارق الذي نصب الفخ لنديم حتى ينتقم منه، فينكشف الستار فيها عن تجربة طارق التي تدور حول تناسخ الأرواح، فيتعرف “نديم” على شخصيات حيواته “الحاوي واللحام والحاخام” وتفاصيل عصورهم.
الفقرة الثالثة جاء فيها الكشف وإلمام كافة الخيوط للوصول للنهاية، فالفصل الأخير يظهر وجهة نظر نديم التي تغيرت على مدار 333 صفحة، الثوابت التي خانته وتغيرت، فيقتنع “نديم” أخيراً بوجود روح ويبدأ في التساؤل عن حقيقة الإله، ويحاول إعادة بناء علاقته بمريم ويختفي طارق بعد نصيحته عن عدم جودة الانتقام فجأة. يؤخذ على الرواية استخدام الكاتب للوصف الجنسي في تفسير أي فكرة وفق المنهج الفرويدي، والذي كان غير مبررٍ في الكثير من الأحيان ولربما تم استخدامه فقط كنوع من الدعاية الرخيصة والجذب المبتذل فجاءت فجة منفرة.
السرد كان جميلاً، حافظ فيه على الغموض والإثارة والترقب، فكانت الرواية مزيجاً بين الخيال العلمي والروحانية النفسية الفلسفية، ضمت عوالم مختلفة، البطل الذكي الغامض المولع بالنساء وخبير صيد الغزلان “النساء” والاقتباسات المبهرة، لكن على الرغم من هذا التنوع الذي أضاف للحبكة الكثير إلا أنه أضعفها في نفس الوقت.
علا أحمد