ثقافةصحيفة البعث

بنية القصيدة في شعر ابن حيوس الدمشقي

العنوان يغري مبدئيا بالقراءة، فالحديث عن بنية القصيدة عموما، ومن ثم التخصيص لدراسة ذلك في شعر أحد الشعراء، وهذا ينطوي على قراءة نقدية، لواحد من أهم أعمدة القصيدة العربية، والذهاب للتمحيص في هذه البنية عند الشاعر “ابن حيوس الدمشقي” الذي خاضت في عوالمه وجالت فيها د. “ريما إسماعيل الدياب”، مؤلفة كتاب “بنية القصيدة في شعر ابن حيوس الدمشقي” الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
قبل الخوض في تقديم الكتاب، أريد أن ألفت عنايتكم إلى كثرة طباعة الكتب التي قامت بنكوص في الشعر بشكل عام، ورجوع المشتغلين فيه إلى ديوان العرب، وهي لا تحصى، لكنها تدور في الحالة العربية بشكل عام، وكنا قد قرأنا خلال العامين المنصرمين، ما يقارب ال 100 كتاب، منحى معظمها يتجه نحو الأدب العربي وأشخاصه، بغض النظر عن السوية الفنية والأدبيةالتي من الطبيعي أن تتفاوت بين كاتب وآخر، لكن الثيمة ذاتها، وطريقة تناولها إن كان بالأسلوب أو تضمين الفكرة المراد توصيلها من خلال ما جاءت به معظم تلك الكتب، هو ما يميز شاعرا عن آخر، وكاتبا عن آخر وحتى صحفياً عن آخر، فمن يمتلك مهارة الأسلوب الخاص فيه في معظم الشؤون العربية من جهة الفن والأدب، هو الأهم، ولهذا يَعتبر أو علاء المعري 973-1057 أنه من المستحيل بشكل ما، أن يقرض أي شاعر الشعر، بعد الذي قاله “المتنبي”-915-965، وكان في معضلة حقيقية معه، فما كان منه إلا أن قام بتأليف كتاب عن شعر أبي الطيب، يبحث في قصائد المتنبي وشرحها، وقضى في الأمر وقتا طويلا وهو يعمل عليه، وعندما انتهى منه، راضيا على ما قدمه، قام بتسمية الكتاب “معجز أحمد”، وخرج بنتيجة تفيد بأن كل شاعر عليه أن يتجاوز المتنبي أولا، لنسميه شاعرا، وهذا مالم يحدث أبدا، وما ذُكر من تبجيله ولو بعبارة واحدة كالتي أوردها المعري في رسالة الغفران عندما جاء الحديث عن المتنبي، قال: رأيته يسرع الخطى، وقام بصلاة وقت العصر في كنيسة”، ومن يتفكر بما قاله “أبو العلاء” عن “أبو الطيب” في رسالة الغفران، سيدرك لماذا قال الرجل: ما من شعر بعد ما قاله المتنبي.
هذا تقريبا ما اعتمدته الكاتبة “ريما” في بحثها عن بنية القصيدة عند أحد الشعراء بعد أن قامت بتشريح قصائده، لا بقراءتها فقط، لتصل إلى نتائج أدبية مهمة عن الحالة الشعرية عند ابن حيوس عموما، بل عن نتاجه، فمن ثمارهم تعرفونهم؟
ينطوي الكتاب على مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب، الباب الأول، عنونته بـ “انسجام البنى النصية، الذي اشتمل على فصلين كبيرين أولهما “الانسجام والاتساق”، وفيه قامت الكاتبة بمعالجة قضية الترابط والتماسك في نصوص ابن حيوس، من خلال مصطلحي الانسجام الذي يختص بالتماسك المعنوي، والاتساق الذي يختص بالتماسك الشكلي، وذلك لدراسة أكثر عمقا وشمولا مما جرى تدوينه عنه سابقا، فقد وقفت الكاتبة عند مفهوم الانسجام لغة واصطلاحا، لنتعرف من خلاله كيف دخل مضمار التحليل النصي، وكيف ارتبط بالغرض والسياق فمثّل بذلك البنية الكلية للنص، متوقفة في جريان مدادها على الفروق بين الانسجام والاتساق، مركزة على أهم عناصر الانسجام المتمثلة بالمنشئ والمتلقي، حيث وجدت أنه لا بد من التعرف على آليات الانسجام، وذلك لإخراج مكنونات النص.
الفصل الثاني جاء موسوما بالخصائص الأسلوبية للتكرار، معتمدة في ذلك على الدراسة النصية، ومشيرة إلى أهمية العلاقات الأسلوبية، حيث يستعرض الكتاب ظواهر الأسلوبية عند البلاغيين العرب القدماء، مثل عبد القاهر الجرجاني”-1009-1078-وتم التركيز على الانزياح والاختيار وتكرار سائر الأنماط اللغوية.
الباب الثالث تحدث عن تشكيل الصور الذهنية والأسطورية والرمزية، وتبيان أثر تلك الصور في البنية النصية. في الحقيقة الكتاب الآنف الذكر، تنقصه الجاذبية اللغوية في الطرح والتقديم، كما لو أنه مترجم من لغة إلى أخرى، لكن ما يحتويه من معلومات نقدية مهمة جدا، تجعله من الكتب التي تصلح لأن توضع في مكتبة البيت الصغيرة.

تمّام علي بركات