التردد الأوروبي يمنح النظام التركي جرأة أكبر في انتهاك السيادة القبرصية
لا يبدي النظام التركي أي نية للتراجع عن التنقيب عن النفط والغاز في المياه القبرصية، بل إنه قد يذهب بعيداً في تصعيده بشرق المتوسط إلى تدشين عمليات تنقيب في المناطق التي منحت فيها الحكومة القبرصية تراخيص لشركات أوروبية وأميركية.
ويعتقد نظام أردوغان أن الاتحاد الأوروبي غير مستعد لأي مواجهة معه في هذه المسألة أو فرض عقوبات قاسية عليه بسبب مضيه قدماً في انتهاك السيادة القبرصية. ويكتسب “سلطان الدواعش” جرأة في تحدي التكتل الأوروبي لإدراكه أنه لن يقدم على فرض عقوبات جديدة.
وحتى العقوبات التي أعلنها الأوروبيون مؤخراً رداً على إرسال نظام أردوغان سفناً للتنقيب عن النفط والغاز في المياه القبرصية فإنها تعتبر خفيفة وغير مؤلمة ولن تؤثر على ذاك النظام لا سياسياً ولا اقتصادياً.
وتشهد العلاقات بين قبرص وتركيا، المتوتّرة منذ أكثر من أربعين عاماً بسبب مسألة تقسيم الجزيرة المتوسطية، تصعيداً حول مسألة احتياطات الغاز قبالة السواحل القبرصية، بعدما قرّرت أنقرة القيام بعمليات تنقيب. وتطمح قبرص لأن تصبح لاعباً كبيرا في مجال الطاقة بعد اكتشاف حقول ضخمة من الغاز في شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة.
ووقعت السلطات القبرصية عقوداً مع شركات عملاقة للطاقة مثل إيني وتوتال وإكسون موبيل للتنقيب عن الغاز، لكن نظام أردوغان، الذي تحتل قواته شمال الجزيرة، يعارض أي عملية تنقيب واستخراج للغاز يتمّ إقصاء “القبارصة الأتراك” منها.
وأرسل نظام أردوغان في الأشهر الماضية ثلاث سفن للتنقيب قبالة قبرص متجاهلاً تحذيرات الاتحاد الأوروبي وواشنطن، وتوعّدت الثلاثاء بتكثيف أنشطة التنقيب رغم تصويت الاتحاد الأوروبي على سلسلة تدابير بحقه لردعه عن القيام بهذه الأنشطة “غير المشروعة” في المنطقة الاقتصادية الخاصة لقبرص.
ورأى أستاذ التاريخ والعلوم السياسية في جامعة نيقوسيا هوبرت فوستمان أنها “لعبة لا أحد فيها على استعداد للتنازل”، وأوضح أن أنقرة “ستواصل التنقيب، بل قد تقرر التنقيب في المساحات التي منحت الحكومة القبرصية ترخيصاً فيها” لشركات أوروبية وأميركية.
ولا تمارس جمهورية قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي، سلطتها سوى على القسم الجنوبي من الجزيرة، في حين أُعلنت في الشطر الشمالي “جمهورية شمال قبرص التركية” غير المعترف بها دولياً.
ورداً على عمليات التنقيب التركية الأخيرة، قام الاتحاد الأوروبي بإقرار عقوبات تشمل اقتطاع 145.8 مليون يورو (164 مليون دولار) من أموال صناديق أوروبية كانت ستوجه إلى تركيا عام 2020.
ويقول فوستمان: إن “تركيا لن تتراجع… عقوبات الاتحاد الأوروبي خفيفة غير مؤلمة، وتركيا تعلم جيداً أنه ليس لديهم أي رغبة في المواجهة”.
كما يرى الخبير في مركز “اتلانتيك كاونسيل” للدراسات والعامل في قطاع المحروقات في قبرص تشارلز إيليناس أن أنقرة “لن تتراجع ما لم يفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات قاسية تؤذي اقتصادها”، مضيفاً: “لا أعتقد أن هذا سيحصل. فحلف شمال الأطلسي والتجارة ومسألة المهاجرين، كلها ذات أهمية كبرى بالنسبة لهم”.
ويعرقل هذا التوتر عمل الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط. واضطرت سفينة استأجرتها شركة “إيني” للقيام بعمليات تنقيب إلى العودة في شباط بعدما قطعت طريقها سفن حربية تركية.
وقال المحلل في قطاع الطاقة ومؤسس مكتب “فيروساي” للدراسات سيريل ويدرشوفن إنه “ثمة اهتمام حقيقي بعمليات التنقيب حتى لو أن التوتر مع تركيا لا يساعد. وفي حال انتفائه، سيكون هناك اهتمام كبير، لأن هناك دعم من الأسواق ومن الاتحاد الأوروبي”.
واعتبرت قبرص الثلاثاء أن العرض القبرصي التركي بتقاسم إيرادات الطاقة “غير مقبول”. وترى نيقوسيا أن الإدارة المشتركة للغاز لن تكون ممكنة إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام.
لكن إيليناس قال: إن “تركيا ستواصل عدوانها إلى أن توافق قبرص على طرح موضوع المحروقات على طاولة المفاوضات”، في وقت وصلت فيه محادثات السلام إلى طريق مسدود، فيما تطمح قبرص لجني عائدات طائلة من الغاز.
وفي حزيران أعلنت السلطات أنها تتوقع عائدات مقدرة بـ8,2 مليار يورو خلال 18 عاماً من استغلال حقل “أفروديت” (بلوك 12) للغاز. وقد تصل أرباح قبرص الإجمالية إلى 15 مليار يورو على عشرين عاماً بحسب إيليناس، “لكن ينبغي قبل ذلك ضمان المبيعات وهذا تحد في سوق تتجه بشكل مؤكد نحو الطاقة النظيفة”.
ويرى فوستمان أن على قبرص العثور على كميات أكبر من الغاز حتى تكون عمليات الاستخراج مربحة على الصعيد التجاري. وقال: “قد يكون الأمر مجرد عاصفة في فنجان إن لم يحصل اكتشاف كبير. ليس هناك في الوقت الحاضر كمية كافية من الغاز القابل للاستخراج”.