د.نهلة عيسى مكرَّمة في ندوة ذاكرة وطن
هي أنموذج مشرّف للمرأة السورية الواعية وخير قدوة كإعلامية جنَّدت قلمها وعلْمها للدفاع عن بلدها وهي التي آمنت بجيشها وأبطاله، فتوجهت إليهم أينما كانوا على جبهات القتال تدعمهم بشتى الوسائل وتنقل لهم رسائل الناس الشرفاء الذين ينتمون لوطنهم ويؤمنون بأن بطولات وتضحيات جيشهم هي الصخرة التي سيسقط عندها أعداء الوطن، وهي كذلك من تزور أسر الشهداء، تشدّ على أيديهم لتكون لهم الأم والأخت والصديقة، وفي جامعة دمشق هي الأستاذة الجامعية في كلية الإعلام، تنقل بإخلاص ما تعلمته لأجيال بأشد الحاجة لمن يدلهم على الطريق الصحيح، لذلك ولكل ما سبق كان من الطبيعي أن تكرمها مؤخراً ندوة ذاكرة وطن التي تشرف عليها الإعلامية إلهام سلطان في مركز ثقافي كفر سوسة بمشاركة مجموعة من الشخصيات الإعلامية والرياضية: هيام حموي، رائدة وقاف، سلوى عباس، سلام علاوي، فراس معلا.
خير وسام
ورأت المكرمة د. نهلة عيسى في تصريحها لـ”البعث” أن هذا التكريم ما هو إلا فرصة للقاء أصدقائها لتحتفل معهم بما حققناه من نصر، ويشرفها أنه تكريم مرتبط بذاكرة الوطن، وأن تكون جزءاً من هذه الذاكرة فهذا برأيها خير وسام تضعه على صدرها، خاصة وأننا نخوض حرباً غير مسبوقة منذ أكثر من ثماني سنوات، مبينة أنه يكفيها أنها لم تغادر جبهاتها، وأن الناس يرون أنها فعلت شيئاً مهماً، لذلك هي ممتنّة لكل من يقول إنها تفعل الصواب، وتكريمها كأستاذة جامعية وإعلامية يحمّلها ويحمّل الإعلاميين مهمة ثقيلة، حيث يفترض أن يكونوا ضمير الشعب في وقت أصبح فيه الإعلام يقود العالم والمنصة التي تُعلَن عبرها كل السياسات في العالم، مع تأكيدها على الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في المرحلة القادمة لو أجدنا استخدامه، معترفة أننا نحتاج اليوم لبناء رؤية وطنية لدوره في المرحلة القادمة، ومؤكدة أن إعلامنا لم يقصّر وبذل أقصى جهده في فترة الحرب على الرغم من أنه كان هاوياً يجابه إعلاماً محترفاً إلى حد كبير.. وفي كلمتها التي ألقتها أشارت عيسى إلى أنها ولِدَت ونشأت في تربة صالحة لوالدين ربياها على أن الوطن ليس مكاناً فقط بل هو بشر نحبهم ويعيشون فينا، وما فعلته خلال الحرب كان أمراً طبيعياً في أن تدافع عن من تحب، وأن لا تسمح لأحد أن يسرق منها قبر أمها وأبيها، مع تأكيدها على أن كل واحد منا مارس دوره على قدر ما يستطيع، ولحسن حظها أنها استطاعت أن تكون في أكثر من مكان.
صوت شجاع
وبيَّنت الإعلامية هيام حموي صاحبة الصوت الساحر أن صوت د.عيسى الصادق والنقي والمليء بالحماس استوقفها وسط نشاز الأصوات الأخرى في أول مرة سمعتها أثناء الحرب، فكان صوتاً قوياً وشجاعاً، وقد بقي اسمها في ذاكرتها، متمنية لقاء صاحبته، ولم يطل الأمر، فقد اكتشفت أنها الدينامو والمحرك في إعلامنا من خلال وجودها في كلية الإعلام بجامعة دمشق، وقد منحتها الظروف فرصة لقائها وإجراء حوار إذاعي معها، اكتشفت من خلاله أنها خبيرة بالصورة في بنية إعلامنا فاتفقتا على تقديم برنامج مشترك “الأصل والصورة” لفضح الصور التي كانت تُصنع ضد سورية في الحرب، وكان برأيها من أمتع البرامج التي أتيح لها أن تقدم فيها المادة الإعلامية الموثوقة والموثقة من خلال حوار بين صديقتين، مشيرة حموي إلى أنها تعلمت من عيسى الكثير من أسرار الصور وتأثيرها الخفي على العقول والنفوس وهي التي استمرت في توثيق الفكر الإرهابي وتحليله في سلسلة أفلام ثمينة، كما استمرت في القيام بجولاتها الميدانية على الجبهات التي يقاتل فيها أبطال الجيش، ولم يضعِف رحيل والدها مؤخراً من عزيمتها، فاستمرت في تبني الجميع، وكانت الأخت والصديقة والأم.
سيدة الحبق
وأكدت الإعلامية سلوى عباس رئيسة القسم الثقافي في جريدة البعث أن د.عيسى كانت على مدار ثماني سنوات على جبهات سورية كافة، فمارست دورها على الجبهة الإعلامية كأستاذة جامعية عبر تواجدها الدائم مع طلابها، تؤهلهم ليكونوا إعلاميين بالمستوى الذي يمكّنهم من أخذ دورهم في هذه الحرب التي كان للإعلام دور كبير وخطير وهام فيها، وكذلك كان لها دور كبير في الرد على الفبركات والأضاليل التي روجتها وسائل إعلام العدو ضدنا، كما ترافق القراء معها عبر سنوات في مقالتها الأسبوعية في صحيفة البعث، ترسم بحروفها حالات إنسانية بكل حزنها وفرحها، فكانت الكتابة بالنسبة لها فعل حب بالدرجة الأولى، مشيرة إلى أنها في مقالاتها كلها لم تقف عند حد أو سقف يتطلب أن تحكي فيه عن أوجاع الوطن والشعب، فكانت صوت المواطن، ولدى سؤالها عن الحزن والوجع الذي نقرأه في كتابتها كانت تجيب: “أنا بشر، أحب وأكره وأحزن وأغضب، أنا على مدار ثماني سنوات رأيت ما لم يره بشر، سواء على جبهات القتال مع الجنود، أو مع الإرهابيين الذين التقيتهم، سمعت أشياء لا يمكن أن تُصدق، لذلك لا أستطيع إلا أن أكون حزينة وأنا أرى هذا الوطن الجميل الذي يعنيني كثيراً وهو كل ما أملك”.
وختمت عباس كلمتها قائلة: “د.نهلة عيسى إنسانة متجددة بالحياة، نابضة بالحب.. إنها سيدة المحبة والأوقات والحبق”.
الانتماء هو الأبقى
واعترفت الإعلامية رائدة وقاف في كلمتها أنها مهمة صعبة أن يحاول الإنسان الإحاطة بالكمّ التراكمي والنوعي الذي تركته د. عيسى وهي في أوج عطائها ومازال لديها الكثير مما ستقدمه، وأن كل المقربين منها يتندر بالقول أن مثل هذه الشخصية تحتاج ليوم بـ 48 ساعة لتنجز المهام التي كَلَّفت نفسها هي بها، مبينة أنها أستاذة جامعية مبدعة وشغوفة بالبحث عن الحقيقة، خاصة في هذا الزمن الذي شعرت فيه منذ اللحظة الأولى أن عليها أن تضطلع بدور هام، وقد قامت بهذا الدور على أكمل وجه، محاولة تفكيك المشهد بألغازه وبكل من أراد بالوطن دماراً وخراباً ودماءً وقد نجحت دائماً في أن تقوم بدور الإعلامية الصحفية التي تنتمي لهذه المهنة من خلال التوثيق الذي له دور كبير في تعريف الأجيال بما حدث، فقَدَّمت أفلاماً وثائقية وذهبت إلى حيث أبطال الجيش على الجبهات ودعمتهم وأخبرت العالم من خلال زياراتها لهم أن الانتماء هو الأبقى، وحملت هذه الرسالة إلى ما وراء الحدود، كما أنها تؤمن أن المرأة السورية هي العمود الفقري لانتصار سورية، لذلك اختارت أن تخرج إلى الشارع وتزغرد للشهيد وتتقبل كل الأوجاع وقد حملت القلم، فكان لصوتها وقلمها فعل الرصاصة.
رسول لشرفاء سورية
وتحدثت سلام علاوي الرياضية ورئيسة تحرير جريدة الاتحاد الرياضية عن د.عيسى الصديقة التي تحولت لتوءم روحها، خاصة وأن ما جمعها معها كان أمراً نبيلاً يقوم على حب الجيش الذي ينتمي لسورية والعلَم السوري الذي حاول تشتيته واستبداله أعداء سورية وهو العلم الذي قُلُّدِت علاوي تحت رايته بالميداليات، ووصفت علاوي د.عيسى بأنها امرأة قادرة على أن تذهب إلى أية بقعة ساخنة لتكون مع أبطالنا في الجبهات، وهي امرأة بكل معنى الكلمة، ومقاومة وقد كانت رسولاً لشرفاء سورية لتخبرهم أننا معهم، لذلك هي ليست ذاكرة وطن فقط برأي علاوي بل هي مستقبل الوطن بعقيدتها ومبادئها وأخلاقها.
الوجه الحقيقي
وتعرّف سبّاحنا العالمي فراس معلا على د.عيسى من خلال التلفزيون، ويذكر كيف أنه وهو الذي لم يعتد على متابعة برامج التلفزيون ظل متسمراً لمدة ساعة وهو يستمع إليها ولما تقوله، حينها اتصل بها وعبَّر عن إعجابه بحديثها النابع من القلب لأنها كانت تحكي بلسان كل مواطن سوري شريف، ومع أنها كانت تدرك أن الإرهاب من الممكن أن ينال منها ومع ذلك لم تخَف ولم تتردد لأنها الوجه الحقيقي لكل سوري شريف.
وفي نهاية الندوة كرم مدير ثقافة دمشق وسيم مبيض د.نهلة عيسى بتقديم درع التكريم مع شهادة تكربم.
أمينة عباس