قراءة في كتاب: “الإسلام والحكم الرشيد” المسلمون بحاجة إلى أنموذج سياسي بديل
عرض: علي اليوسف
صدر للدكتور مقتدر خان، أستاذ الإسلام والحكم والشؤون العالمية بجامعة ديلاوير في الولايات المتحدة الأمريكية- زميل في مركز السياسة العالمية، حزيران الفائت كتاباً بعنوان “الإسلام والحكم الرشيد: فلسفة سياسية في الإحسان”. وبحسب الكاتب، لم يكن هدفه سوى تقديم بديل عن أنموذج الإسلام السياسي الذي يجب على الإسلاميين تقديمه اليوم.
استغرقت كتابة الكتاب أكثر من أربع سنوات، لقد كان كتاباً صعباً جداً، لأنه ينطوي على النظر بشكل نقدي في العقيدة والمعتقدات. فالكاتب قام بإعادة النظر في العديد من المعتقدات الشعبية في الخطاب الإسلامي، وحاول أن يشرح كيف أدّت العلاقة بين المعرفة والمعتقدات إلى تحويل القيم الإسلامية إلى أيديولوجية. وهنا أعطى الدكتور خان أمثلة عن إساءة استخدام الإسلام وتعاليمه من قبل الجماعات المتطرفة مثل “داعش”، و”تنظيم القاعدة” التي باتت حقيقة لا يمكن لأحد تجاهلها. لكن في المقابل، يقول الكاتب هناك العديد من المسلمين الذين ما زالوا يرغبون في رؤية الإسلام يلعب دوراً مهماً في الحياة العامة، وإذا لم يتمّ تسليط الضوء على مسارات بديلة لهم، فسيصبحون عرضة للتجنيد من قبل المتطرفين. في كتابه “الإسلام والحكم الرشيد”، يقدّم الكاتب رؤية لدولة فاضلة (دولة الإحسان) التي يمكنها أن تكون بوصلة سياسية للأجيال الجديدة، ويضع خمسة أسباب لكتابته هذا الكتاب:
السبب الأول:
يأمل الكاتب أن يجيب كتابه “الإسلام والحكم الرشيد” عن السؤال التالي: “إذا لم يكن التطرف، أسلوب القاعدة وداعش، شكلاً إسلامياً حقيقياً للسياسة، فما هو إذن؟”. “الإسلام والحكم الرشيد” يعبّر عن مقاربة للحكم تنطلق بشكل جذريّ من الهدف الإسلامي المتمثّل في فرض الشريعة (القوانين الإسلامية) عبر نهج يقوم على الإحسان (القيام بالأشياء الجميلة) التي تميّز الحب عن القانون، وعن حرية الدين والتفكير المفروض على الالتزام بالأعراف الدينية، والأهم من ذلك تطبيق عملية (الحكم الرشيد) على هيكل (الدولة).
السبب الثاني:
يدرك الكاتب أن الرؤية الأخلاقية -دولة الإحسان- التي يتصوّرها قد تكون مثالية للغاية بالنسبة للدول الغارقة في السياسة الواقعية الدولية، وسياسة الهوية على المستوى المحلي. لكنه يأمل أن تبدأ الحوارات حول تخيّل السياسة الإسلامية القائمة على الحب والرحمة والاندماج والتسامح في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام الاجتماعية وفي دوائر السياسة.
السبب الثالث:
يوضح الكاتب أن هناك صحوة سياسية بين المسلمين في الغرب، حيث تتداخل العديد من القيم السياسية التي استمدها الكاتب من الإحسان-مثل “الحريات الأربع” مع بعض أهداف حملات العدالة الاجتماعية في المجتمعات الليبرالية. لذلك، يتمنّى الدكتور خان أن يتمكّن الشباب المسلم، الذي يعيش في ديمقراطيات، من إيجاد مصدر إلهام للمشاركة السياسية التي هي إسلامية أصيلة، ولكنها تختلف اختلافاً جذرياً عن الإسلاميين الذين يتمثّل هدفهم النهائي في خلق دولة أيديولوجية تجبر الناس على العيش وفقاً للقوانين المحددة.
السبب الرابع:
يقول الكاتب إن أحد الأهداف المهمّة لهذا الكتاب هو إظهار أنه في الماضي تبنّى المفكرون السياسيون المسلمون السياسة من وجهات نظر متنوعة للغاية بالاعتماد على نماذج من المفكرين الإسلاميين الأساسيين مثل الفارابي والماوردي وابن خلدون وسعدي شيرازي، وهذا يدلّ على أن المسلمين قد نظروا إلى السياسة من وجهات نظر مختلفة تشمل الفلسفة واللاهوت والواقعية الاجتماعية والفقه والتصوف، لكن النقطة المهمّة اليوم هي أن النظام الإسلامي المبنيّ على الشريعة الإسلامية والذي يدعو إليه الإسلاميون المعاصرون هو مجرد شكل واحد من أشكال السياسة الإسلامية، لأنه في الحقيقة هناك طرق أخرى لنشر الإسلام في المجال العام، والتي هي أيضاً أكثر توافقاً مع الديمقراطية والتعددية والاندماج. على سبيل المثال، نموذج ابن تيمية الذي تدعو إليه الجماعات السلفية الجهادية هو مجرد أنموذج إسلامي واحد، والواقع هو أن هناك آخرين غيره، لذلك من المهمّ للمسلمين الذين يرغبون في دور عام للإسلام أن يدركوا هذا التنوع.
السبب الخامس:
السبب الأخير والأكثر أهمية لكتابة هذا الكتاب هو استكشاف كيف يمكن نشر الإحسان في المجال السياسي، لأن الإحسان يعني القيام بأشياء جميلة، كما لو كنت ترى الله أو على الأقل تدرك حقيقة أنه يراك طوال الوقت. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم “إن الله أمر بالإحسان في كل شيء”، فلماذا لا يطبّق ذلك في السياسة؟.
“الإسلام والحكم الرشيد” هو سعي الكاتب المتواضع، كما يقول، لإظهار كيف يمكن تطبيق الإحسان أثناء الانخراط في السياسة، وبصرف النظر عن قيودها، يعتقد أنها مساهمة فريدة في الفكر السياسي الإسلامي، متمنياً أن تلهم العديد من المسلمين وغير المسلمين للانخراط في السياسة الفاضلة.