ماذا أنتم فاعلون؟
بطريقة ذكية وغير متوقّعة، ردّت إيران على عملية القرصنة التي قام بها مشاة البحرية البريطانية لناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق قبل أسبوعين.
فبعد أن سحبت طهران من لندن جميع الذرائع التي اتخذتها لقرصنة ناقلة النفط، كان ينبغي على الحكومة البريطانية أن تقدّم اعتذاراً عن العملية التي قامت بها ضدّ إيران خارج القانون، غير أنها وبأمر أمريكي أيضاً أمعنت في الإيحاء أن باستطاعتها إخضاع إيران وترهيبها، فقامت بتمديد احتجاز الناقلة مدة ثلاثين يوماً إضافية عبر حكومتها في جبل طارق، علماً أن صحيفة “تايمز” البريطانية أكدت أن حكومة جبل طارق عدّلت قوانينها قبل 36 ساعة من احتجازها الناقلة الإيرانية لتتمكن من فعل ذلك، ما يؤكد أن الحادث كان مبيّتاً، فما كان من الحرس الثوري الإيراني إلا أن قام باحتجاز ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز، مبرّراً ذلك بطلب من منظمة الملاحة الإيرانية، التي قالت: إن السفينة لم تلتزم بقوانين الملاحة الدولية وأطفأت أجهزة التتبّع واصطدمت بقارب صيد هناك، أي أن سبب احتجاز الناقلة قانوني محض، وقد أكدت روسيا على لسان نائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف أن الحجج الإيرانية أكثر إقناعاً من تلك التي ساقتها حكومة جبل طارق.
ولم يقُم أيّ طرف أوروبي بتبنّي الاعتداء البريطاني، بل على العكس رفضته إسبانيا لأنه تمّ في المياه الإقليمية لها، أي أنه قرصنة موصوفة، وأفادت صحيفة إسبانية بأن الولايات المتحدة بعثت برسالة إلى حكومة مدريد قبل يومين من وصول الناقلة الإيرانية إلى جبل طارق لتنبيهها بهذا الشأن، وعندما لم تستجب استخدمت حكومة جبل طارق في ذلك.
انتظرت إيران قبل ردها باحتجاز الناقلة البريطانية إلى أن تمكّنت من تعرية الحجج البريطانية، حيث أثبتت أن الأمر تمّ تنفيذاً للعقوبات الأمريكية وليس لأيّ شيء آخر، وأن الرؤوس الحامية في واشنطن، وعلى رأسها جون بولتون، أرادت الردّ على إسقاط الطائرة المسيّرة الأمريكية مستخدمة في ذلك بريطانيا، وقد أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف غير مرّة أن القرصنة تمّت خدمة للفريق “ب” الذي يضم بنيامين نتنياهو وبولتون وابن سلمان وابن زايد، وأكد “أن بولتون يجرّ بريطانيا إلى المستنقع” داعياً إلى توخي الحذر والحكمة.
إيران مهّدت لاحتجاز الناقلة بحادثة قامت فيها بسحب ناقلة نفط إلى موانئها لمؤازرتها، وذلك لإثبات قدرتها على حفظ الأمن في مضيق هرمز وسيطرتها الكاملة عليه، ولكن الطرف الآخر لم يتلقّف الرسالة جيداً، فاضطرّت إلى إيصالها بطريقة أوضح مؤكدة أنها لا تخضع للابتزاز أو التهديد، الأمر الذي أذهل الأمريكي والبريطاني معاً لأنهما لم يكونا يتوقعان ردّاً كهذا.
جميع الدول التي تراقب المشهد تعلم أن إيران قامت بالردّ علناً على القرصنة البريطانية، وفي إطار قانوني، وهي تقول لجميع الأطراف التي تعمل على التصعيد في المنطقة: الخيار الذي تهدّدون به أقودكم الآن إليه، فماذا أنتم فاعلون؟.
طلال الزعبي