وطن الحوار ووطنية المشاركة والأفكار
بقلم الدكتور فايز عز الدين
هذا هو الظهور الثاني للسيد الرئيس بشار الأسد في تكريم الشباب السوري في اللقاء معهم، والحديث المشترك، والتداول حول قضايا الوطن والوطنية المخلصة الراجحة على كل مبدأ، أو عقيدة، أو توجّه. وما هو بارز في اللقاء كان تركيز السيد الرئيس على طريقة الغرب، ودأبه المتواصل لإلحاق هزيمة افتراضية بشعبنا من خلال التأثير النفسي عليه بطرح مصطلحات جديدة، وطمس أخرى، وتحريف معاني البعض الآخر وصولاً إلى الترويج إلى موت الإيديولوجيا، وإشغال المجتمع بمفاهيم، ومفردات غريبة عنه، كمحاولة تعويم فكرة أن القومية العربية هي مصطلح أو إيديولوجية بينما هي في واقع الحال انتماء.
وعليه فقد وجّه السيد الرئيس إلى العمل على تعديل الأفكار، والمفاهيم وتصحيحها باعتبارها السلاح الأهم لعكس هذه الهزيمة، فتصبح على مَنْ يستهدفنا، ونكون قد حققنا الانتصار الكامل في الميدان، والوعي الوطني على حدّ سواء. وفي المشهدية الجديدة لإعادة إنتاج الوعي السوري ولا سيما لدى الأجيال الجديدة الطالعة، وما واجهته خلال السنوات الثماني ونيّف التي مضت على الحرب الإرهابية على بلدنا الغالي من ميديا دولية اشتركت فيها أكثر من 800 وسيلة إعلامية استخدمت كافة وسائط التأثير على الثقافة التاريخية في الوطنية المخلصة للسوريين يؤكد السيد الرئيس على تصحيح الوعي، وضبط المصطلحات، والوصول إلى فهم دقيق لمسألة الانتماء، ولمسألة العقيدة، وهذا يعني أننا قوميون بالانتماء الطبيعي، ولو احتاج منّا هذا الانتماء إلى عمل طويل ومستمر بينما العقيدة تأتي، وتتغيّر حسب الظروف والأزمات، وفي مجرى تحصيل الوعي الوطني اللازم، وتعميقه، وتجذيره يستدعي الحال أن نحوّل العناوين والمصطلحات إلى عمل تنفيذي كي نربط بين المصطلح والواقع المعاش، وهنا تصبح الحاجة ملحّة إلى ابتداع الحوار الذي ينطلق من احترام الآخر والمتمرّن على قبول الرأي الآخر، وكما نوّه السيد الرئيس بأن الجزء الأكبر من تسويق الأفكار يُبنى عادة على الانتصارات، ومن هنا نجد أن خروجنا منتصرين في هذه الحرب سيجعلنا أكثر قوة في مواجهة هذه المصطلحات الدخيلة، وسيكون هذا النصر لصالح الأنموذج القومي العروبي الجاذب على امتداد ساحات الوطن والأمة. وفي هذا الصدد أشار السيد الرئيس إلى حزبنا البعث كحزب قومي عروبي تقدمي منفتح على الآخر يحمل مسؤولية أكثر من غيره لفتح الحوار الذي يساهم في حلّ الكثير من الإشكاليات التي تواجهها مجتمعاتنا بما يوصلنا إلى أن الأجيال القادمة سترث مناخاً عاماً وطنياً مريحاً قابلاً للعطاء والتجدد، كما أوضح دورَ الغرب الدائم لتحويل نقاط القوة في مجتمعاتنا إلى ضعف حين استهدف التنوّع الجميل والإيجابي الموجود لدينا مستغِلاً غياب الحوار، وعدم قيامنا بالبناء على المرجعيات الوطنية الراسخة التي كانت معزّزة للوحدة المجتمعية والوطنية. وهنا نحتاج من كافة الأطراف في الحزب، والمنظمات، والنقابات المبادرة إلى تنظيم ورشات عمل قطاعية لنقل مفردات الخطاب الوطني، والمصطلحات إلى لغة، وأسلوب يتناسب مع كافة فئات المجتمع، وإدماج المواطنين في الحوار الصريح الشفاف المنفتح، فكلما كانت هنالك مشاركة أكبر من الناس وصلنا إلى توافق أشمل تتطوّر به الدولة بشكل ممنهج، ويعزّز اللامركزية بضوابط وآليات محددة، فالآليات في كثير من الأحيان تقف سبباً في نجاح، أو فشل المسؤول أو المؤسسة. وفي تحليل هذا اللقاء المهم للسيد الرئيس، وقبله اللقاء مع الشباب في الكنيسة، والتأمل في الأولويات الفكرية التي يباشرها أمام الشباب دوماً نتوقف عند حرصه المتواصل على المواجهة الحوارية للردّ على الحربين اللتين يشنّهما الغرب علينا بآنٍ معاً: الحرب الإرهابية على الأرض السورية، والحرب الإعلامية الخطرة التي استخدم فيها، وما زال خبراء في التأثير المعنوي، والنفسي؛ والذهني على الشعب. وهنا سنستفيد من الشفافية التي مازال السيد الرئيس ينوّه بها لنفصحَ عن بعض الضرورات الفكرية التي تصحح نسباً من الوعي الوطني حيثما نجحت الميديا الدولية المتصهينة باختراقه، وكيف خشي بعض الذين أداروا مسؤوليات الإعداد الفكري أن يعترفوا بما تم الاختراق فيه، وكأنّ الوعي الوطني محصور بما يحيطون به فقط حتى وصلنا معهم إلى افتراق في التحليل للحالة الوطنية وللوعي الوطني اللازم لها لتعزيز عوامل النصر، ومن حسن الطالع أن القضايا النظرية التي كانت بيننا وبين المعنيين موضوع افتراق في التحليل والتركيب حين يتناولها السيد الرئيس نجد أن تحليله يعكس الواقعية المبدئية الوطنية بصورة علمية قابلة للمزيد من البحث المستنير المتفتّح، ويدعونا للمزيد من التفكير بها. فالسيد الرئيس دعانا للمؤتمرات الوطنية، وتجديد الميثاق الوطني، وهو من قال عن وطنية مخلصة، ووطنية مريضة، وطالما حثّ الجميع على المزيد من الحوار، والتفاعل، والوصول إلى الفهم المشترك الذي يحقق المشاركة الوطنية في معركتي الوطن المنوّه عنهما آنفاً. ومن غريب الحال عند الذين يديرون عمليات إعادة إنتاج الوعي، وتشكيل الاتجاهات الصحيحة عند الشعب ألا يمتلكوا جرأة التفكير كمناضلين لكي يبقوا عند حلقة المؤيدين كمستقبلين إن لم يدعوا إلى عمل، فها هم منتظرون مَنْ يدعوهم، وقد سمعنا كثيراً عن طريقة في العمل المبادر المنتج الذي يصبُّ الجديدَ المنتظرَ في وعي المجتمع، وطريقة في العمل الراكد فاقدِ المبادرة المنتظرِ للدفع من الأعلى دوماً، فينفّذ ما دُفع لأجله من دون عناصر إبداعية بما تموت معه الفكرة وحواصل التفكير المطلوبة، وعليه فالعقل المتحرك هو العقل المنتج والحاضر في كل جبهة من جبهات كفاح الوطن، بينما العقل المستقبل فقط عقل تنفيذي فقير النتائج، ولا يبني على شيء من المرجعيات الوطنية التي أشار إليها السيد الرئيس، وبذلك نرى إلى الحالة الوطنية الراهنة لنجد الحاجة ماسّة أكثر إلى اللقاءات الوطنية، والتلاقي عند الأفكار الجامعة، وإلى ورشات العمل التي وجّه إليها السيد الرئيس حتى يتعزّز الحوار الوطني على أسسه العلمية والموضوعية الموصل إلى مقاربات عقلانية، تنويرية نواجه بها العقول المغلقة بالعقول المفتوحة على الحاضر والعصر والمستقبل، ونواجه بها التعصب بالمزيد من قبول الآخر. ونواجه بها التطرف بالمزيد من الموضوعية المبدعة والواقعية، ونواجه بها التفرّد بالرأي واليقينيات غير المستندة إلى العلم بالمزيد من الاعتدال والمشاركة للآخر، والتشبيك معه في الحقل الوطني الواحد، ونواجه بها الخوف من المبادرة بذريعة الريبة من الخطأ بالمزيد من المبادرة، ومن يعمل يخطئ، والعبرة دوماً باستدراك الخطأ أو الأخطاء، وما ننتظره الآن من المسؤولين عن إدارة عملية إعادة إنتاج الوعي الوطني في بلدنا بآفاقه القومية العروبية أن يتداعوا لوضع البرنامج الوطني لورشات العمل، وأن يمارسوا صحوة عملية برنامجية تحوّل المصطلحات التي يحاربوننا بها إلى أفكار ننتصر بها عليهم في مواجهتنا الحوارية وفي معركتنا الثقافية التي كانت أهم عوامل انتصارنا على الأرض رغم شراسة الحرب الإرهابية في الميدان.