“السورية للتجارة” ترتبك بين المباركة والتنصل التراجع عن تسليم التجار نسبة الـ25% من بضائعهم المستوردة واعتماد نسبة الـ15% يعري الضعف أمام سطوة التجار
مرة أخرى تخسر الحكومة جولتها مع التّجار الذين فرضوا سلطتهم ورغباتهم على قرارها الأخير، بما يخصّ تسليم ما نسبته 25% من المواد الأساسية المستوردة والمموّلة من مصرف سورية المركزي لمصلحة السورية للتجارة، وذلك ضمن إطار دعمها في ممارسة دورها كذراع تدخل إيجابي، من شأنه ضبط الأسعار وكسر حدتها وتوفير التشكيلة السلعية للمواد الأساسية لكل عائلة بأسعار التكلفة عبر منافذها، إلا أنه وبعد الإعلان عن نيّة الحكومة تطبيقه تعالت أصوات التّجار وصيحاتهم معتبرين القرار إذا ما صدر سيكون قراراً مجحفاً ويكبدهم خسائر كبيرة، ما أدى إلى التراجع عن القرار بعد محادثات بين الطرفين واعتماد القرار السابق المطبق وهو 15% فقط من قيمة المستوردات، الأمر الذي أثار حفيظة المواطنين ولاسيما أنه عرّى محاباة الحكومة للتجار على حساب المواطن، فالأسعار لا تزال تواصل الارتفاع لدرجة فاقت القدرة الشرائية للمستهلك بأضعاف مضاعفة، ورغم الضجيج الذي رافق ارتفاعها ومطالبات المواطنين بوضع حدّ لها، لم نشهد إجراءات حقيقية على أرض الواقع تنصف المواطن كما أنصفت التاجر، بل تضاءل دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك المعنية بشكل مباشر في قمع الظاهرة، مكتفية بتنظيم ضبوط شهرية أقلّ ما يمكن وصفها بأنها وثيقة إدارية لعملها دون اقتفاء أو رصد أثرها في المعالجة، فهل كان القرار ضرباً من الحماسة في حينها لإنقاذ المؤسسة من ورطتها لدى الكشف عن خسائرها، واختفى أثره في المواجهة مع التّجار ونزولاً عند رغبتهم؟.
منصف وداعم
في بادئ الأمر كان من الملفت مباركة المعنيين في المؤسسة السورية للتجارة باعتباره قراراً صائباً يمكنها من خلاله أن تؤدي دوراً أكبر في السوق المحلية لجهة توفيره كافة المواد الأساسية بسعر التكلفة، مضافاً إليه هامش ربح 2% فقط كعمولة للمؤسسة وبكميات كبيرة تكفي أغلب المواطنين- بحسب معاون مديرها العام عدنان كفى-، وبالتالي يدعمها لتفرض نفسها منافساً قوياً أمام التجار وتحدّ من تقلبات الأسعار العشوائية من جهة، ورغبة التجار في التلاعب في الأسواق من خلال الاحتكار أو فرض أسعارهم من جهة أخرى، وعدم ارتهان المواطنين لهم بتوفر تلك السلع في منافذها بأرخص الأسعار، بل وأكد مراراً على ضرورة إصدار تعليمات تنفيذية واضحة وعالية الدقة كي لا يتمّ اختراقها من قبل المستوردين واستغلال ثغرات تمكنهم من عدم الامتثال للقرار.
يتحول لعبء…
اللافت في الأمر وبعد تصدير القرار بتسليم 15% فقط من المستوردين بات تغيّر القناعات في المؤسسة التي اتخذت مجرى آخر لتبريره، وذلك باعتبار أن الكمية ستكون أكبر من حاجة السوق، وقد تؤدي إلى تكدسها فتطالها إشكاليات سوء التخزين، أو إغراق منافذ المؤسسة ببعض المواد على حساب غيرها بحسب مدير أحد الفروع.
واعتبر أغلب القائمين على المؤسسة أن الـ15% نسبة جيدة وكافية وتشكل ما نسبته 60% من مبيعات المؤسسة من المواد الأساسية، ما يشي بأن المؤسسة تفتقد لدراسة حاجة السوق المحلية وغياب الإحصائيات التي تلزم لاستقرائها وتغطية حاجتها على مدار العام، خاصة وأن أحد مفاصل المؤسسة برّر نسبة الـ15% معتبراً أن التّجار بالنهاية هم جزء من المجتمع وشركاء في بناء الاقتصاد الوطني، وأن الحكومة تأخذ بعين الاعتبار دورهم في تأمين السلع الرئيسية، محاولاً إعطاء القرار صيغة توافقية، في حين أن التجار أنفسهم لم يحرصوا على هذه الصيغة في كثير من الأوقات، واستغلوا الفرص في حصد ثروات طائلة جراء احتكار بعض السلع في أوقات الحاجة وطرحها بأسعار عالية دون الالتفات إلى ضرورة وجود أية صيغة توافقية تضمن المصلحة العامة للجميع.
تجربة مأساوية
يبدو أن القرار لم يكن مفاجئاً لذوي الخبرة والاختصاص، إذ أكد الدكتور إبراهيم العدي أن الحكومة لا تصلح للنشاط الاقتصادي وغير قادرة على فرض سيطرتها وقراراتها على رجال الأعمال والتّجار الذين لهم الكلمة الفصل في أغلب القرارات، مشيراً إلى أن دور الحكومة هو التخطيط والمراقبة والمعاقبة فقط ودخولها كتاجر تحت مسمّى السورية للتجارة أو غيرها من المؤسسات أثبت عدم جدواه، معتبراً أنها تجربة مأساوية تزيد من خسائر القطاع العام، ولاسيما أن أسعارها متقاربة مع أسعار السوق وقد تكون أغلى في بعض السلع، لذلك لن يكون الحلّ بالسورية للتجارة بل على الحكومة ممارسة دورها بتفعيل دور المراقبة على التّجار، وقمع حالات التلاعب وضبط الأسعار بتطبيق العقوبات الرادعة، والعمل على التخطيط المدروس بعيداً عن مقاربة مصالح القطاع الخاص.
فاتن شنان