ثقافةصحيفة البعث

كنايســــي والمصــــري وخليفـــة وقصــائد في الغربـــة والحنيـــن والحـــب

 

“أحبّك لا تسألين لماذا؟
فليس لكل سؤال جواب”
مطلع قصيدة “بكل سرور” استحوذت على إعجاب عشاق الشعر في أمسية حفلت بالمطولات والقصائد القصيرة، بمشاركة الشعراء محمد كنايسي وجمال المصري وسهير خليفة، في المركز الثقافي العربي في المزة، اتسمت بخصائص وسمات تميز كلّ واحد منهم، تطال فنية الإلقاء أيضاً، والتقت بتساؤلات حملت مضامين الحبّ والوطن ودارت أفلاكها في سماء القصيدة.

دلالات العناوين
وقد توازت موسيقا القصيدة مع جمالية العناوين الموحية والمثيرة في قصائد كنايسي فمن “مطاردة إلى حريق إلى غياب إلى مأساة إلى هروب إلى خراب”، لتكتمل دهشة المتلقي بالقفلة، وبمتتالية من التساؤلات اتخذت الأساليب الإنشائية، ليبقى الزمن الشاهد الوحيد ليس على الأمكنة فقط، وإنما على الروح المسكونة بالحنين والألم والغربة.
ولابد أن تكون القيروان حاضرة سواء بالتوصيف أو بالتضمين كما في قصيدة “أضحوكة الديدان” التي اعتمد فيها كنايسي على غنائية النون في القافية”الأكفان- الأحزان – الزمان- النسيان”، والتي ربط فيها بين تغيرات الزمن على الذات خلال سنوات الغربة الطويلة بعيداً عن القيروان بتساؤلات علّها تهدئ جذوة الحنين:
هل من خلاص قريب من قبح هذا الزمان
لكل حي بلاد ولي أنا غربتان
بحثتُ عنها طويلاً فلم أجد قيرواني
ليعود إلى التساؤلات:
فكيف يهدأ قلبي وفقدها أعماني
وينهي القصيدة بالتمني والحلم:
علي أعود لنفسي من غربة الإنسان
ويبدو أن التساؤل والدهشة عنصران في بناء القصيدة الكنايسية ففي “ورد ودمع” يتساءل عن دمع الورد والقلب:
لا تسأليني لماذا الورد يبكيني
لا يسأل القلب عن دمع الشرايين
وأحياناً تجاوزت تساؤلاته حدود الواقع لتطال المستحيل كما في قصيدة”مستحيل”:
فماذا سيفعل قلبي الضعيف
لينسى جنونات قبلتها
ومن جماليات الشعر لديه غموض العنوان الذي يوحي بمسار آخر يغاير معنى القصيدة، ويرسم ابتسامة على ثغر المتلقي من حرارة المفاجأة، كما في قصيدة “سرقة”:
كل الحرائق أصلها عيناك
لا نار تحرق في الحياة سواك
وأنا سرقت من الفراش جنونه
وركضت مشتاقاً إلى لقياك
ولم يفارق هاجس الشعر الشاعر حتى في القصيدة كما في قصيدة في “انتظار القصيدة”، حينما شبه الشاعر بالشبح الهائم الباحث عن صور وأفكار جديدة مبتدئاً بالوصف النقيض”تعاسته السعيدة” ، وبعد أن لازمته القصيدة يكشف في القفلة عن مضمونها بعدما رصدت القصيدة حالة وجدانية:
وجدت على الكرسي
سيدة وحيدة
واستمرت القصيدة الشعرية في معناها المباشر في شعر كنايسي كما في قصيدة “هروب”، التي اشتغل فيها على تجزيء التفعيلة:
هربت مني القصيدة
يئست مني
ومن يأسي
وحزني
تركت مطلعها الباكي
يتيماً
في بياض الورقة
وفي قصيدة “مأساة” اتضح الصراع الدرامي مع الزمن في حكاية امرأة، دل الشاعر على مأساتها بخلفية اللون الأسود كناية عن معاناتها ضمن أسلوبه الذي لايخلو من الدهشة:
المرأة
ذات الأسنان السوداء
لا تضحك إلا
في الليل أمام
المرآة
كي تتفقد
من يسكن
في فمها
من أفراد
المأساة
وربما اقترب الشاعر من الأوضاع الحياتية الصعبة التي عاشتها سورية جراء الحرب الإرهابية في قصيدة “خراب” مستخدماً قافية الباء الدالة على التأكيد بعدما ربط بين الخراب وأسرار المدينة بمقاربته من البيت مبيّناً مدلولاته:
له ناس ومفتاح وباب
وبدا الخراب يتسرب إلى روح القصيدة في قصيدة “انتحار” التي يستكمل فيها ما حدث معلناً استياءَه برمزية الغربان السوداء:
على وقع هذا الخراب
سأطلق غرباني الناعقة
وألبس أحلى ثيابي
وأشرب كأس المطر
ليصل إلى:
كما تفعل العاشقة
قبل أن تنتحر
ويشد المتلقي بحوارية بصرية جسدها بسينمائية القصيدة في قصيدة “شخص يشبهني”، ليقفل باب المشهد الأخير بتوحد الشاعر مع أوراقه، مستخدماً أسلوب الطلب بفعل الأمر:
ويقول: افتح هذا الباب
لكني لا أبصر باباً
يامن لا أعرف من أنت
وهذا المفتاح غريب
ليصل إلى
وأن الباب مخاض شعري
والمفتاح حروف
تكتبني
واختتم مشاركته بقصيدة “آخر العاشقين” بقافية تبحث عن المدى البعيد بالألف الممدودة للرعد للشعر للورد:
أنا آخر العاشقين وشعري
أنين غزل يعانق رعدا
المحكي والفصيح
ومثلت مشاركة الشاعرة سهير خليفة حداً فاصلاً بين الشاعر كنايسي والمصري، لاسيما بقراءتها قصيدة من الشعر المحكي رسمت أحرفها على إيقاع جرس موسيقي رقيق، تسرد فيها حكاية حب لايموت، حكاية حب ارتبطت بالوطن، موحية منذ البداية بالدموع والفرح والأمل، في قصيدة “ضوي شمعة”:
بطريقك ضوي شمعة
ارسم فرحة
وخبي دمعة
بطريقك كون زخة مطر
تروي الشجر
لتصل إلى قفلة القصيدة
أنت الوطن
وعن الوطن بس الموت بيبعدني
كما شاركت بالشعر الفصيح بقصيدة “لجوء”، وصفت فيها رحلة البعد عن الوطن واللجوء والغربة متغلغلة بالتفاصيل التي واجهها كثيرون مثل سرقة الأعضاء، وقد اعتمدت على القوافي المتعددة في تناغم الوصف:
سرقة أعضائنا أيضاً
أو ربما اقتيادنا للبيع
في سوق السبايا والعبيد
سنملك كل شيء
إلا وطناً يذكرنا
فيحافظ علينا ويحتضننا
القدس بوصلتنا؟
وتميزت مشاركة الشاعر جمال المصري أيضاً بالتساؤلات التي طالت البعد القومي راثياً حال بعض الدول، ليصل إلى بوصلتنا القدس بصوته الرخيم وإلقائه القوي.
لم يبق حتى في العراق عراق
بلد تشتت في الطوائف شمله
عجباً أتبكي والدماء تراق
وتقول دمعك للعيون شهادة
أيعيد قدساً دمعك المهراق
خفف دموعاً قد تصيبك بالعمى
بعد العمى لا تنفع الأحداق
كما قرأ قصائد فاضت بالاشتياقات كما في قصيدة “كلنا في الحب أنثى”، وظّف فيها جمالية الصور المستمدة من الطبيعة بما فيها من مقابلات كما في نار وماء.
فجأة نحن امتزجنا
تحت أمطار الشتاء
فاشتعلنا دون نار
واغتسلنا دون ماء
ملده شويكاني