الرؤية الروسية والشرطي الأمريكي
لم يتأخّر الردّ الروسي على المحاولات الأمريكية والأوروبية للتحكم بمعابر الطاقة والسيطرة عليها، وذلك عبر طرح مبادرة على مستوى المنطقة لنزع فتيل المواجهات بين دولها. طرح لا شك له وقعه، ولا سيما على واشنطن وحلفائها التي دعت إلى تشكيل قوة دولية لحماية الملاحة في مضيق هرمز. بمعنى آخر تدويل العمل في المضيق، وتنصيب نفسها شرطياً على توزيع الطاقة حول العالم.
الرؤية الروسية، والتي طرحها مبعوث الرئيس بوتين إلى منطقة الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، تنطوي على إبرام اتفاقات للحد من الأسلحة، وإنشاء مناطق منزوعة السلاح، وحظر تكديس الأسلحة التقليدية المزعزعة للاستقرار، والالتزام بالشفافية المتبادلة في المجال العسكري، والحوار بشأن العقائد العسكرية، وإنشاء خطوط ساخنة، وهو بلا شك طرح متقدّم على الدعوات الأوروبية والأمريكية لتشكيل قوة عسكرية فقط دون البحث عن حلول لمنع أي صدام في المنطقة، بل على العكس الاستفادة من الواقع المأزوم في الخليج لبيع الأسلحة لمشيخات الخليج، في حين كانت روسيا واضحة في رؤيتها وواقعية في طرحها الذي يدعو إلى بناء الثقة ودفع الدول المعنية إلى لعب دورها الكامل بعيداً عن التدخلات الخارجية.
كما أن مبادرة بوغدانوف تؤكد من جديد أن القوى الدولية، وعلى رأسها روسيا والصين، تعيان بدقة الأهداف والمرامي الأمريكية في التحكم بمعابر مرور الطاقة، والذي سيؤدي في النهاية إلى محاصرة هذه القوى، وحرمانها من الاستفادة من الطاقة، فنجاح واشنطن في مبتغاها لتأسيس قوة دولية لحماية الملاحة، كما تزعم، سيؤدي إلى زيادة تكلفة أسعار النفط على المستهلكين، علماً أن الصين أكبر مستورد للنفط في العالم بحدود 10 ملايين برميل يومياً حسب تقرير أوبك، وبالتالي سيؤثّر في اقتصادها وعائديته، وسيدفعها إلى كسب رضا واشنطن، أو الخضوع لتأمين احتياجاتها، أي تقييد سياساتها، ومنعها من لعب أي دور على الصعيد العالمي.
وعليه، يمكن القول: إن السعي الأمريكي المتستر خلف ردع إيران، ومنعها من امتلاك سلاح نووي، وما إلى ذلك من مزاعم، لن يمرّ على باقي الدول حتى الأوروبية الحليفة لواشنطن، بل على العكس سوف يدفعها من جديد إلى رفع الصوت للقول إنها موجودة، ولا يمكن في إطار الفوضى الخلّاقة التي تنشرها أمريكا حول العالم، أن تمنعهم من الحفاظ على حقوقهم المشروعة، والعمل على كسر الاحتكار الأمريكي، والتفرد بالقرار الدولي حول العالم..
والحال فإن الدعوة الروسية الداعية إلى تجنيب منطقة بأكملها خطر الحروب والمشاكل، تحمل في طياتها الكثير من الدلالات على أن العالم الذي تفكّر به واشنطن ولّى إلى غير رجعة، وأن القوى الكبرى، بما فيها روسيا والصين والهند، تخطّ محددات عالم جديد بعيد عن الهيمنة والتسلّط.
سنان حسن