“حماية المستهلك” تعول على وعيه! انتشار ظاهرة الغش التجاري والسلع المقلدة بالتوازي مع نشاط التجارة الإلكترونية
دمشق- عبد الرحمن جاويش
شهدت الأسواق التجارية خلال الفترة الأخيرة تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة، سادت مختلف أوجه الحياة التجارية والصناعية والخدمية والاستهلاكية، إلى أن أصبحت الأسواق جذابة تتجه إليها أنظار المنتجين والمستوردين، بل أصبح من المتاح ترويج كافة أصناف السلع، سواء أكانت ذات جودة عالية أم متدنية الجودة، وسواء أكانت معلومة أم مجهولة المصدر.
من هنا انتشرت داخل الأسواق ظاهرة جديدة تُعرف بالغش التجاري ورواج سلع مقلدة مجهولة، بحيث يحصل المستهلك على منتج مخالف لما هو يريده فعلاً، أو أن المستهلك يحصل على منتج لا يقدّم له الخدمة المرجوة منه لحظة الشراء، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، ربما يحصل المستهلك على منتج كان يعتقد أنه منتج ينتمي لماركة أو علامة تجارية شهيرة ذات مواصفات عالمية معروفة، ثم يفاجأ بأن منتجه مجهول المصدر ولا ينتمي لتلك العلامة ولا يقدّم خدمة تضاهي خدمة العلامة أو الماركة الأصلية.
تقليد
يؤكد أحد الاقتصاديين أن ظاهرة الغش التجاري في عالم اليوم تثير الكثير من الجدل والنقاش حول مدى ما تسبّبه من خسائر للاقتصاد الوطني، وما تسبّبه من أضرار على المستهلك وعلى المجتمع، وأحد أشكال الغش هو إضافة مادة أخرى إلى المادة الغذائية بهدف زيادة الكمية في الشكل الخام أو الشكل المعدّ، مما قد يؤدي إلى فقدان الجودة الفعلية للمواد الغذائية. قد تكون المواد المضافة مواد غذائية أخرى أو مواد غير غذائية. وأيضاً الترويج المزيف للبضاعة والمواد عن طريق التجارة الإلكترونية على صفحات التواصل الاجتماعي والتي نشهدها اليوم بكثافة غير طبيعية.
فمن يحمي المستهلك من جشع التّجار وغشهم، ويكشف ويراقب ممارسات وأساليب الغش والتلاعب والاحتكار والخداع والتقليد، وكذلك التضليل والاحتيال والتدليس، ويساعده في طرق التعرف عليها في السلع والخدمات، فالحاجة تستدعي في الفترة الحالية إعادة النظر في أداء وعمل حماية المستهلك.
منهجية مؤسسية
في هذا السياق يقول مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية علي الخطيب: نحن على قناعة بأن رفع الوعي وتعزيز دور المستهلك في المجتمع وتحفيزه للمشاركة والمطالبة بحقوقه وفق الأنظمة المرعية هو حجر الأساس للنهوض بحماية المستهلك في المجتمع، مضيفاً: إن المديرية سعت مؤخراً للعمل وفق منهجية مؤسسية تستند لتنفيذ برامج توعية للمستهلك، من خلال استثمار منصات الإعلام الاجتماعي في رفع الوعي بحقوق المستهلك وواجباته، وطرق التعرف على أساليب الغش والتقليد والـتضليل والاحتيال في السـلع والخدمات، وهناك خطة مبرمجة لمواجهة الجشع والتلاعب بالمستهلك.
فجوات كبيرة
في المقابل يرى مواطنون أن المنتجات المغشوشة والمقلدة ما زالت تُعرض في الأسواق بشكل كبير لافت للنظر، مما يدلّ دلالة واضحة على أن هناك فجوات كبيرة في مكافحة الغش والتقليد، والحاجة ماسة إلى حراك سريع لسدها. فيما يرى المسؤول أن هناك معاناة لجهة ضعف توعية المستهلك، وما زال المجتمع بحاجة لجرعات عالية في هذا الجانب، مشيراً إلى أن هناك تحسناً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، لكن “من منظورنا هناك حاجة ماسة لبرامج نوعية لتوعية المستهلك وبحاجة إلى برنامج وطني متكامل لتوعية المستهلك، يستخدم الأطر الحديثة في تقديم التوعية ووفق الأسس العلمية”.
مكافحة وإرشادات
في مجال مكافحة تلك الظاهرة وإرشاد المستهلك لكي لا يقع في مصيدة الغش والتقليد، يرى خبراء في حماية المستهلك ضرورة تفعيل دور حماية المستهلك لتساهم في كبح جماح ظاهرة الغش والتزوير والتقليد للماركات، وتعليم المستهلك أسس وقواعد ومقاييس الجودة، باعتبارها تشكل المدخل السليم لمكافحة الغش التجاري، وبالتالي حمايته مما ينتج عنه من أضرار جمة، إذ أن وعي المستهلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال توفير المعلومات عن سعر المنتج وكذلك أسعار المنتجات الأخرى التي يمكن أن تكون مكملة له أو تحلّ مكانه، ونوعية وجودة المنتج وشروط التبادل التجاري، بما في ذلك تاريخ الاستلام وخدمة ما بعد الشراء، ومن الضروري على الجهات المعنية القيام بتطوير أنظمة مكافحة الغش التجاري وتنشيط دور جهات الضبط من بلديات وجمارك وإدارات حماية المستهلك والغرف التجارية لنشر الوعي بين مندوبيها من منتجين وتجار. كما يجب على أجهزة الإعلام القيام بدورها في نشر الوعي، بالتوازي مع بحث المنتجين والوكلاء عن السلع المقلدة لسلعهم، وملاحقة بائعيها ومزوريها والإبلاغ عنهم لاتخاذ الإجراءات النظامية ضدهم، كما أن على المستهلك نفسه مساعدة الأجهزة الرقابية المختصة في كشف وضبط مروّجي السلع المقلدة، وسد الثغرات التي تسهل عملية الغش والتقليد التجاري في التشريعات المختلفة.
يتساءل المواطنون: هل تستطيع الجهات والسلطات المحلية المختصة وفرض الرقابة الصارمة على البضائع..؟ وتنظيم الأسواق من جهة أخرى لضمان أعلى معدلات الفائدة للمستهلك..؟.
في الحقيقة لا يزال هذا التساؤل يثير الكثير من الجدل وخاصة في ظل وجود بعض الثغرات في الأنظمة والقوانين المحلية التي ينفذ من خلالها ذوو السلوكيات المخالفة من التّجار لغش المستهلك وخداعه، دون أن تستطيع الجهات المختصة ضبطهم أو منعهم من تقديم منتجات مغشوشة أو غير مطابقة للمواصفات. ففي حين يسعى المستهلك دائماً للبحث عن المنتجات الصالحة غير المغشوشة وذات الأسعار المخفضة، ربما يستغل التاجر لهفة المستهلك على تخفيضات الأسعار، فيقوم بغش المستهلك وتقديم منتجات غير مطابقة للمواصفات التي يتوقعها!. وهنا تظهر حاجة ملحة لوجود رقابة وأنظمة صارمة تضمن عدم الغش التجاري أو التقليد، مع الإشارة في النهاية إلى أنه مهما بلغت درجة كفاءة الجهود الحكومية فإنها لن تنجح في القضاء على ظاهرة الغش التجاري نهائياً إن لم يصاحبها ارتفاع في درجة وعي المستهلك باعتباره هو الأكثر حاجة لمعرفة مصلحته الحقيقية.