شاعرات الحب في الشرق والغرب
بما يقارب ال 250 صفحة من القطع الصغير، يضيء د. “إحسان هندي” في كتابه “أشهر شاعرات الحب في بلاد الشرق والغرب” الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، على حيوات العديد من الشاعرات في مراحل متعددة ومختلفة من التاريخ، مبوبا الكتاب بالتدريج من الأقدم فالأحدث وهكذا،فمن شاعرات ما قبل الميلاد، إلى شاعرات العصور الوسطى فالعصور الحديثة، منهيا كتابه أو القسم الأول منه ب شاعرات العصر الحاضر؛ إنها سلسلة غير منقطعة في التاريخ البشري وأنماط الحياة التي عاشها الناس، ومن الطبيعي أن تكون العاطفة محركاً هاما للعلاقات الإنسانية عموما، فكما وجد الإنسان وفي العديد من المراحل التاريخية القديمة منها وما تلاها تماثيلا وزخرفات عن آلهة الحب والجمال، وجد أيضا الكثير من النصوص التي تصوغ موضوعاتها شاعرات حرك الجمال والحق والخير، الأقانيم الثلاثة التي فُطر الإنسان عليها، ما حركه في وجدانهن، وليجيء تعبير كل واحدة منهن عن تلك القيم الإنسانية بما تنشده، شعرا صافيا، تنعكس عن صوره ومفرداته وإيحاءاته، معان سامية وجمال ساحر وأفق رحب لا حدود لرسو مراكب الهوى على شواطئه.
الكتاب الذي نحن بصدده ينقسم إلى أربعة فصول، كل فصل منه يتناول سيرة عدة شاعرات في مراحل تاريخية مختلفة، شاعرات تركن أثرهن البارز والبين في الحياة، لذا من الطبيعي أن يجدن بما يعتمل في دواخلهن، فالشعر عند النساء هو تلك الوردة الحمراء التي وضعنها فوق شعورهن، فصرن أقمارا ملونة تحت كل سماء كن يعددن نجومها بضفائر القلب أولا.
البداية مع الشاعرة “بلبالة” السومرية –بلاد الرافدين-فالحضارة السومرية امتدت ما يقارب ال 1500 عام، وما وصل عن هذه الشاعرة قليل جدا، منه أنها كانت تعمل مع فرقة إنانا التي كانت تغني في البلاط الملكي، وقد تم اكتشاف قصيدتها عام 1951، وقام المؤرخ “صامويل كرومر” بترجمتها من السومرية إلى الإنجليزية، ليقم بعدها المؤرخ العراقي “طه باقر” بترجمتها إلى العربية بصيغة تُذكر ب “نشيد الإنشاد” وفي هذه الحالة، يكون النشيد هو المقتبس عنها وليس العكس لأنها أقدم منه في الظهور.
تقول بلبالة مخاطبة حبيبها: أيها العريس الحبيب إلى قلبي/جمالك باهر حلو كالشهد/أيها الأسد الحبيب جمالك باهر، لقد أسرت قلبي فدعني أقف بحضرتك وأنا خائفة مرتعشة”، ثم تنحو القصيدة منحى ايروتيكيّا ساحرا، وليس من المستغرب هذا في ذاك الزمن، خصوصا إذا عرفنا أن طقوس البغاء المقدس، كانت مزدهرة، لذا كان الوصف الغريزي حاضرا إلى جانب الوصف العاطفي، إنهما كل واحد في عالم العشاق عموما.
الفصل الثاني من الكتاب ذهب لتقديم عدد من أهم شاعرات القرون الوسطى، المرحلة التي تراجع فيها تأثير روما في الحضارة، وفيه ظهر تأثير الإسلام وتنامى خاصة في بلاد الأندلس، (الفردوس الدامي)، وحدث أن امتزجت في تلك المرحلة ثلاث حضارات: العربية الإسلامية القادمة من المشرق، والحضارة المغاربية، وحضارة السكان الأصليين من المسيحيين، ليجيء ناتج هذا التمازج الحضاري، بديعا ومشرقا، وقد اختار الكاتب أن يفتتح الحديث عن شاعرات تلك المرحلة ب “ليلى العامرية”، حبيبة قيس بن الملوح، الذي أحبها حد الجنون وصار شهيرا في لقبه “مجنون ليلى”، فالحب بينهما لم يكن من طرف واحد كما قد يظن البعض، بل إنه كان معروفا بينهما مثل أشهر العشاق في العالم، روميو وجولييت، عطيل وديدمونة، هيلو اييز وأبيلار، وغيرهم، أما الدليل الذي قام الكاتب بدعم الفكرة التي طرحها عن تبادل المشاعر بين كل من ليلى وقيس، فقد جاء به عن لسان العامرية عندما قالت: “لم يكن المجنون في حالة/ إلا وقد كنت كما كانا/ لكنه باح بسر الهوى/ وإنني قد ذبت كتمانا”، وبذا يكون الفرق بين غرام أحدهما للآخر هو الإشهار والكتمان، ففي الوقت الذي عُرف فيه ما يكنه بن الملوح للعامرية، أثرت هي الطي والكتمان.
من شاعرات العصور الحديثة اختار المؤلف الشاعرة الأمريكية “آن براد ستريت” التي تُعتبر أيقونة الشاعرات الأمريكيات وأقدمهن ظهورا، حتى أنها سبقت بظهورها، الاستقلال الأمريكي عن بريطانية عام 1776، سافرت آن وزوجها إلى أمريكا، وهناك جادت قريحتها بالعديد من القصائد التي جمعها أخ زوجها في مجموعة شعرية سماها “ربة الشعر العاشرة”؛ يغلب على شعرها الطابع الكلاسيكي بجوانب عدة، منها الواعظ والأخلاقي ضمن المذهب “البوريتاني”، لكنها في الوقت نفسه كانت تحيا كأي شاعر، حالة صراع داخلي مع مشاعر أخرى متعلقة بحياتها الدنيوية أيضا، وتعتبر قصائدها “في ذكرى حفيدتي، إلى زوجة ابني، إلى زوجي العزيز المحب، من أجمل ما كتبت حسب الناقدة “وندي مارتن”.
عرف الغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين نهضة صناعية كبرى، وكان من الطبيعي أن يكون لهذه النهضة الصناعية أثارها على مختلف المناحي الثقافية عموما، ومنها بشكل خاص الشعر، وكان المذهب الرومانسي الذي عمّ العالم في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، هو من قاد الشعر إلى الاهتمام بالذات الشاعرة، ما أدى لشيوع الشعر الذي يتغنى بالطبيعة والعلاقات الإنسانية التي يُعتبر الحب المحرك الأول لها.
ومن شاعرات تلك المرحلة “إليزابيث ياريت براوننج”-1806-1861- الشاعرة التي بدأت تقرض الشعر في الرابعة عشرة من عمرها، وصدر أول ديوان لها بعنوان “معركة الماراثون”، وكان والدها هو من أصدره، ووزع 500 نسخة منه دون أن تعلم، سقطت شاعرتنا عن صهوة حصانها، لتصاب بكسر في العمود الفقري ظلت تعاني منه بقية حياتها، وكان لهذا الحادث أثره البعيد في حياتها، أدى مثلا إلى عزلة فرضتها الشاعرة على نفسها، متفرغة للقراءة والكتابة، ثم عادت للاستقرار في لندن ونشرت العديد من القصائد التي لفتت انتباه العديد من الشعراء الكبار مثل إدجار آلن بو،جيمس لوويل، توماس كارلايل، وغيرهم.
الكتاب الأنف الذكر في قسمه الأول، يقدم للقارئ جرعة معرفية مهمة في هذا الجانب الغامض عموما عند المرأة، وفيه من القصص والحكايات المرافقة ما يُمتع ويُعلم بآن، وهو أيضا من الكتب التي تستحق الوقوف في المكتبة المنزلية.
تمّام علي بركات