تحقيقاتصحيفة البعث

في فصل الصيف تندرج في خانة الأعمال الشاقة.. وأجورها في حدودها الدنيا

 

 

هناك بعض المهن والحرف تتطلب ممارستها بذل الكثير من الجهد، وربما قد تكون أصعبها المهن التي يتعرّض فيها العمال بشكل مباشر لدرجة حرارة مرتفعة كالمخابز، ومحلات المعجنات، والشاورما، وعمال البناء، وعمال التنظيفات، وسائقو باصات النقل العام الذين يتعرّضون خلال أشهر الصيف لحرارة الشمس بشكل مباشر، أو لحرارة الأفران التي يعملون فيها، لا شك أن الوقوف لمدة خمس دقائق أمام أحد هذه الأفران التي تصنع المعجنات، على سبيل المثال، سيشعرنا بضيق كبير، فما بالك بالعمال الذين يعملون في هذه المهن على مدار اليوم، وهنا لا نفضل مهنة على سواها، ولا نقلل من جهد أي منها، ولكن لابأس من بعض المراعاة لمزاولي هذه المهن، والرأفة بوضعهم.
معاناة كبيرة
خلال شهر حزيران من هذا العام تعرّضنا لموجة حر قاسية جداً وصلت فيها درجة الحرارة إلى أوائل الأربعينات، وأدت إلى حدوث أكثر من عشرين حالة إغماء لعمال النظافة في أحياء مختلفة من العاصمة، وإذا توقفنا لبعض الوقت عند هذه الحالة سنتلمس بشكل فعلي الأذى والمعاناة الكبيرة التي يتعرّض لها هؤلاء العمال نتيجة ظروف عملهم الصعبة، وهنا نشدد على أن “الكثير” من الناس لا يملكون أدنى إحساس بالمسؤولية تجاههم، ولا يشعرون بمعاناتهم، ولا نحتاج إلى دليل، فالأدلة واضحة نراها يومياً من خلال مشهد يتكرر، وفي كثير من الأمكنة سواء كانت مناطق شعبية، أو عشوائية، أو منظمة، أبو محمد، أحد عمال النظافة في حي المزة، يتحدث عن معاناته الكبيرة قائلاً: نحن بشر، والبعض يتعامل معنا على عكس ذلك، وإذا أردت الحقيقة بعض الناس لا يرانا، يعتبرنا غير موجودين، أنا أزاول عملي هذا منذ أكثر من عشر سنوات، قابلت الكثير من الناس الذين لا يملكون أي إحساس بالمسؤولية، أو أي شعور بالرأفة، مواقف كثيرة تحدث معنا لا يمكن حصرها، ففي إحدى المرات قام أحد الشبان بشتمي والصراخ عليّ قائلاً لي: “شو شغلتك أنت”، لأنني طلبت منه أن يضع الأوساخ التي كانت معه في العربة التي أقودها عوضاً عن رميها عند محله، بعض الناس غير محترمة، “ما تأخذيني”، ثم يتدخل زميله فجأة مقاطعاً له، ويقول: “يا بنتي يحذرون الناس ويطلبون منهم تجنب السير في أوقات الظهيرة حتى لا يتعرّضون لضربة شمس”، متابعاً حديثه بغضب ولوم: ونحن أيضاً بشر، ويمكن أن نتعرّض لضربة شمس، فلو أن كل مواطن يرمي أوساخه في مكانها المخصص، أو يضعها في أكياس مغلقة في حال عدم وجود مكان لرميها لما بذلنا كل هذا الجهد في تنظيف الشوارع والحارات المليئة بالقمامة، نحن كعمال نظافة نتمنى فعلياً أن يُفرض قانون يعاقب من يقوم برمي الأوساخ، سواء من سيارته، أو في الشارع أثناء سيره، أو في أي مكان، لأن هذا ربما سيردع الناس عن ممارسة هذه الأفعال التي تشوه المنظر العام للمدينة، وتضاعف من الوقت الذي نبذله لتنظيف المكان!.

معاناة إضافية
معاناة سائقي باصات النقل الداخلي لا تقل عن غيرهم من أصحاب تلك المهن الصعبة، ولكن ربما ما يزيدها صعوبة هو التماس اليومي مع الناس، والمشاكل المتكررة معهم، أحد سائقي هذه الباصات يعمل على خط سير طويل جداً يقطع مسافة طويلة وسط العاصمة في زحمة سير خانقة، يقول: لا تتوقف معاناتنا عند المسافة الطويلة التي نقطعها كل يوم ذهاباً وإياباً وعلى مدار النهار، وإنما أيضاً بالاحتكاك المباشر مع الركاب، والخلافات التي لا تنتهي، خاصة مع عدم توفر فئة الخمسين ليرة، والشجار الحاصل مع الركاب، والأعداد الكبيرة لهم، وقلة الباصات التي تخدم المواطن، لا أعلم على من يجب وضع اللوم، ربما الجميع مظلوم، لكن عملنا يحتاج إلى نفس وصبر طويلين.

أيضاً وأيضاً “عمالة الأطفال”
ما أن تغلق المدارس أبوابها حتى يبدأ بعض الأهالي بإرسال أطفالهم بغض النظر عن عمرهم للبحث عن عمل في مكان ما، غير مكترثين بما قد يكابده هذا الطفل من تعب، عمر، شاب صغير نجح إلى الصف الثامن، يعمل في أحد الأفران التي تصنع المعجنات في حي الشيخ سعد برفقة ابن عمه، يقومان بتوصيل الطلبات إلى الزبائن، وتنظيف الفرن، وعند السؤال عن الأجر المادي الذي يحصلان عليه ضحكا وترددا بداية، نحن نحصل على وجبة فطور، وأيضاً وجبة أخرى خلال النهار، ونحصل يومياً على ثلاثمئة ليرة: “هاد غير البقشيش”، نحن نعيل أسرتنا، ولا نضيع وقتنا كباقي الأولاد، استغلال الأطفال وزجهم بأعمال تفوق طاقتهم إحدى المشاكل الاجتماعية المعقدة التي ستأخذ وقتاً طويلاً لحلها، أو على الأقل للحد منها، خاصة مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه جميعنا، ما يجبر بعض الأهالي لإرسال أطفالهم للعمل فور انتهاء المدارس في أيام الصيف الحارة ولأوقات طويلة في استغلال واضح من أرباب العمل!.

لينا عدرة