لماذا لا يرفض الغرب صعود روسيا والصين؟
سمر سامي السمارة
لماذا يواصل القادة الغربيون والخبراء والأكاديميون تحجيم، وربما ازدراء، التقدّم الملحوظ في التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين روسيا والصين وجيرانهم؟.
لقد جمعت ما يزيد على ثلاثين مناسبة في السنوات الست الماضية الرئيسين فلاديمير بوتين وشي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية في مؤتمرات متواصلة، وقام الرئيس شي مؤخراً بزيارة رسمية إلى روسيا، حيث أجرى مع الرئيس بوتين محادثات ثنائية أدّت إلى توقيع الزعيمين اتفاقاً لتعزيز الاستقرار الاستراتيجي العالمي في العصر الحديث، كما حضر الزعيمان أيضاً منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي.
لم تكن الاجتماعات سرية، بل على العكس من ذلك فقد قامت وسائل الإعلام الروسية والصينية بتغطيتها على نطاق واسع، واحتفل الجانبان بالتقدّم الكبير في مجال التعاون المتزايد بينهما.
وقالت وزارة الاقتصاد الروسية إنه من المتوقع أن يستمر حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين في التسارع والوصول إلى آفاق جديدة، ما يضاعف المستوى القياسي الحالي البالغ 108 مليارات دولار.
ارتفعت التجارة بين روسيا والصين في المنتجات الزراعية والمواد الغذائية المصنّعة وحدها بنسبة تقارب 30 في المائة عام 2018 إلى أكثر من 5 مليارات دولار، وقد بلغ إجمالي حجم التجارة الثنائية الآن 108 مليارات دولار بزيادة قدرها 25 في المائة في عام واحد فقط ويطمح الطرفان لتحقيق زيادة أكبر.
بدت أهمية هذه التطورات في التوازن العالمي للقوى وأنماط الاستثمار والتجارة واضحة للغاية، وبسرعة أصبحت روسيا قوة عظمى لتصدير المواد الغذائية من المحتمل أن تصل إلى مستوى لم تشهده منذ الحرب العالمية الأولى. وبالفعل، نجحت روسيا في بيع القمح بأرباح أقل وبتكلفة منخفضة لإندونيسيا مقارنة بأستراليا، والدول المجاورة.
ويرى خبراء اقتصاد أن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكندا بعد عودة انضمام شبه جزيرة القرم ومقاطعتي دونيتسك ولوغانسك الشرقية اللتين انسحبتا من أوكرانيا إلى روسيا في أعقاب انقلاب الميدان في عام 2014، كان لها تأثير عكسي. كانت تهدف هذه العقوبات إلى إجبار روسيا على الركوع والقيام بترهيبها لقبول الاستعمار الجديد المستمر لأوراسيا من قبل واشنطن وول ستريت ولندن وبروكسل، وكان من المفترض أن تقبل روسيا إملاءات انقلاب كييف أو مواجهة الانزلاق مجدداً في الجوع الجهنمي الذي عانت منه في تسعينيات القرن الماضي. هذه الحقبة المظلمة لا تزال الدول الغربية تشيد بها زوراً بوصفها (عصر ذهبي قصير للحرية) بدلاً من الكساد الكبير المروّع وتعاطي المنشطات التي انتشرت بشكل كبير في تلك الآونة.
ومع ذلك، بدلاً من أن تأتي العقوبات بنتائج عكسية، فقد أثبتت روسيا تفوقاً في الواقع الصناعي والتجاري والاستثماري على التجارة الحرة. وفي أعقاب فرض العقوبات على روسيا، ازدهرت صناعة تجهيز المواد الغذائية محلياً، إضافة إلى العديد من الصناعات المحلية الأخرى التي ازدهرت لسدّ الطلب الناجم عن انتهاء المواد الغذائية المجّهزة التي لا حصر لها وغيرها من الواردات الاستهلاكية، وارتفع الإنتاج الزراعي الروسي بشكل ملحوظ.
وعن غير قصد، أوجدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمحاولة فاشلة سوقاً محلية محمية واسعة في جميع أنحاء روسيا وجيرانها الأوراسيين، وتستعد الآن الشركات والصناعات الناضجة التي أنشأتها تلك السوق للتوسّع في منطقة الشرق الأوسط وآسيا.
يفسّر هذا التطور السبب الذي جعل منتدى سان بطرسبرغ يستمر في النمو من حيث الحجم والقيمة بشكل سريع كل عام، وهذا ما يفسّر أيضاً لماذا تبقى وسائل الإعلام وقادة الغرب، يتجاهلون بشكل مثير للسخرية الرخاء والنجاح المتزايدين في روسيا. فوسائل الإعلام وقادة الغرب يفضّلون التشبّث بقصص الازدراء التي تعتمد على الخيال والمتمثلة في أن الشعب الروسي غير قادر على النجاح والتميّز في المجالات التجارية والصناعية والزراعية، وربما يتجنّبون زيارة روسيا لرؤية الواقع بأعينهم، ويفضّلون العيش في عالم مثير للسخرية من تصوراتهم الغامضة والمتوهجة، فمن كان أفضل من البريطانيين أو الأمريكيين في خلق عوالم خيالية في هوليود؟ أي أن القادة الغربيين يتجاهلون الإنجازات الثابتة والمنهجية التي حقّقتها روسيا والصين في عهد الرئيسين بوتين وشي.
حقيقة الأمر أن زعماء الغرب “الديمقراطيين” هم من الأميين على المستوى الاقتصادي، حيث يؤمنون بشكل أعمى بالتجارة الحرة والحدود المفتوحة والنمو الفوضوي، كما لا يمكنهم إدراك قيمة التخطيط بهدوء، وبعناية وثبات من خلال استراتيجيات استثمار طويلة الأمد، من أبراهام لنكولن إلى ليندون جونسون، كان بإمكان قادة الولايات المتحدة التفكير والتخطيط والتصرف بهذه الطريقة لكن ذلك لم يحدث أبداً!.
هذا التفكير غير مجدٍ ولا يحقّق الإشباع للحصول على الربح السريع، وأكبر دليل على ذلك هو البطء الذي تشهده عملية تطوير البنية التحتية الصناعية. وهذا هو السبب في أن قادة الغرب اليوم يتجاهلون حرفياً التحولات الهائلة في القوة العالمية التي اكتسبت زخماً هائلاً منذ بداية هذا القرن، لكن هذا التجاهل لا يمكن أن يمنع صعود وسقوط الأمم.