مشكلات الأدب الطفلي
أدب الأطفال واحد من أهم الأجناس الأدبية التي يجب التركيز وتسليط الضوء عليها، ولاسيما في هذه المرحلة الحرجة نراه مهملاً.
وبهذا الخصوص أقام اتحاد الكتاب العرب فرع دمشق ندوة حول كتاب: “مشكلات الأدب الطفلي” –تأليف سيسيليا ميرايلز- الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ترجمته عن البرازيلية الأديبة والمربية مها عرنوق.
نقطتان أساسيتان
يرى الفنان رامز حاج حسين أن الكتاب له أهمية بالغة الحساسية كونه يسلط الضوء على أقدس الصناعات وأهم الحرف وهي الكتابة للأطفال، ومشكلات الأدب الطفلي حيث قال: هناك نقطتان أساسيتان في هذا الكتاب يجب تسليط الضوء عليهما وهما: كيف نعد كتاباً طفلياً، وأين البطل؟
في الأولى تتساءل الأديبة المؤلفة عن آلية إعداد النص الموجه للطفل بل تطرح السؤال الأهم: كيف نعد كتاباً طفلياً؟ هذا السؤال هو أخطر الأسئلة، إن عملية إعداد كتاب للطفل سهلة ممتنعة، سهلة لمن يمتلك الأدوات والقدرة الواعية الحصيفة على فهم محيطه ولغته وأسلحته الأدبية وممتنعة عن كل وعي يحسب أن الكتابة للطفل مجرد رصف للحروف والكلمات المنمقة بذريعة أن الطفل يتقبل أي شيء.
أما النقطة الثانية: أين البطل؟ وهنا مكمن الجرح والوجع الأكبر، يقول المثل الصيني (الرجل /البطل /هو بالطبيعة جيّد) دورنا هو الترويج والتمسك بما هو في أدب أطفالنا. انظروا كيف أصبح البطل قاطع طريق سعيداً بمسدسات لا تقهر كيف تحول إلى مغامر بلا دوافع أخلاقية، سارق للمصارف، مهرب لكل الأشياء لص مهذب، قاتل بالهوية.
دائرة من العنف والجنس والخرافة تدور رحاها في كل ما يعرض أمام أطفالنا ودور أدب الطفل أن يعيد إنتاج ما هو نبيل وأصيل وأخلاقي لأن الأدب الطفلي هو أعظم المربين لأطفالنا، بناة مستقبل الوطن.
من وحي الكتاب
على الرغم من صغر حجم الكتاب إلا أنه واسع في مضمونه جداً، كما يراه رئيس تحرير مجلة أسامة قحطان بيرقدار الذي قال: استطاعت الكاتبة بأسلوبها المكثف والمتقن استعراض كثير من القضايا المهمة المتعلقة بالأدب الطفليّ، بدءاً بالمشكلات ومواصفات الكتاب الذي يفضله الطفل، مروراً بمظاهر الأدب الطفلي وكيف نعد كتاباً طفلياً وانتهاء بأزمات الأدب الطفلي.
جاء هذا الاستعراض عبر إلماحات مكثفة ذات مغزى، وطرح أسئلة مهمة في بابها، ولفت النظر السريع والهادف إلى قضايا مهمة جداً، وشد الانتباه وإثارة الفضول وتحفيز الذهن والوجدان، كل ذلك في دعوة كبيرة ينهض بها هذا الكتاب تتلخص في ضرورة إعادة النظر في واقع أدب الطفل الراهن وحصر المشكلات القائمة، والبحث عن حلول لها عبر ربط الماضي بالحاضر والمواءمة بينهما في سبيل الوصول إلى واقع أفضل.
لقد طبع الكتاب لأول مرة بلغته الأصلية في عام 1951، والمثير في الأمر أن الكاتبة في بعض مفاصله تطرقت إلى واقع أدب الطفل في زمنها، فتحدثت عن ضياع كثير من المُثل، فكيف ستكون الصورة إذاً في عالم اليوم ونحن في 2019؟ بالتأكيد ازداد الانحدار وكثرت الأمراض وتعددت المشكلات وإن التطرق إلى ثقافة الطفل عموماً وإلى الأدب الموجه إليه خصوصاً هو أمر ذو شجون ودموع.
مشكلات الأدب الطفلي
فيما يتعلق بالمشكلات كما وردت في الكتاب فإن الكاتبة أشارت أولاً إلى العلاقة بين الأدب العام والطفلي فقد جزمت في أكثر من موضع بأن ثمة كتباً كتبها مؤلفوها للكبار لكنها صلحت للأطفال وحسن تلقيها لديهم وكتباً كتبت خصيصاً للأطفال لكنها لم تلق استحساناً منهم، وتطرقت ثانياً وأسهبت إلى العلاقة بين الأدب الشفوي والمكتوب فشطر كبير من التراث الأدبي الطفلي وصل إلينا عبر القصص والأساطير والقصائد والحزازير والمسرحيات التي كانت تنتقل شفوياً من جيل إلى جيل قبل أن يصار إلى تدوين شطر منها كتابة في العصور الحديثة.
من هنا يبرز سؤال مهم هل أدب الأطفال جزء من الأدب العام؟ وهل يوجد أدب طفلي؟ وكيف نتعرف خصائصه؟ ترى الكاتبة أن الواضح أنه أدب عام كله، فالأطفال في الحقيقة هم الذين يحددون الأدب المفضل لديهم، والتصنيف يكون على أساس مايقرأه الأطفال بفائدة وسرور.
أما ما الذي يميز كتب الأطفال فتجيب الكاتبة: إن الأسلوب بداية هو أول ما يميزه فالأسلوب المناسب يحتاج إلى مضمون هادف أيضاً، وتطرح الكاتبة فكرة مهمة جداً وهي وجوب معرفة ماذا يوجد في الكبار من طفولة حتى يستطيعوا التواصل مع عالم الطفولة وماذا يوجد في الطفل مما عند الكبير حتى يتقبل ما يقدمه إليه الكبار.
أسئلة ومشاكل
استطاعت المترجمة سلام عيد خلال مداخلتها تقديم لمحة موجزة عن الصعوبات الحقيقية التي يواجهها الكاتب أو المترجم لأدب الطفل حيث قالت: حتى وقت قريب كنت على يقين من أن الكتابة للأطفال من أصعب أنواع الكتابة بما فيها الترجمة إلى أن عرض علي أن أقدم مداخلة عن الترجمة للأطفال فعرفت أن الأصعب هو أن تتحدث عن تجربتك، فمن خلال اطلاعي وجدت أن الكتاب مكثف إلى درجة مخيفة فقد استطاعت الباحثة والكاتبة أن تمر بعمق وإيجاز على كل هذه التجربة الإنسانية، وهذه المعرفة الموسوعية بما تحمله من المحبة والبحث عن الأجمل والأفضل والأمتع والأغنى لأطفال بلادها والعالم بحرص أمومي وتربوي وإنساني، حيث لم تترك الباحثة باباً إلا وطرقته من حيث التمييز بين مختلف أنواع الكتب الموجهة للطفل بين تعليمي ورسومي ومدرسي وأدبي، وعن الكتاب الذي يفضله الطفل، والحكم عليه إن كان الكتاب طفلي أم لا، وما الذي يلفت الطفل في الكتاب أهي الرسوم أم الألوان أم الأغلفة أم الجوهر؟ وما أثر القراءات المبكرة على الميول والخيارات فقد طرحت ميرلز الكثير من التساؤلات التي تفتح الأبواب والاتفاق أمام الفكر الإنساني في مقدمتها ماذا أكتب للطفل؟ وكيف أخاطب عقله وروحه بالحب والاحترام.
وفي مجال التجربة السورية قالت: لقد طرحت أكثر من سؤال على مستوى المؤسسات هل لدينا أدب طفلي في سورية أو في العالم عموماً؟ وهل لدينا المقومات لإنجاز عمل إبداعي أدبي تثقيفي وتربوي وأخلاقي؟ وهل لدينا مبدعون قادرون على أن يبذروا بذرة الخيال باكرا في عقول الأطفال؟ وما الذي يحدد نجاح العمل للطفل؟ هل لدينا مؤسسات قادرة على القيام بهذا العمل وتقويمه؟ وكيف نحافظ على الهوية الوطنية والمجتمعية؟ وكيف ننشر ثقافة الطفل؟ وهل هي مهمة وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب فقط وماذا عن وزارتي التربية والتعليم؟.
تمتلك المترجمة سمة جميلة ألا وهي النظر إلى عالم الطفولة والأدب المقدم لها نظرة شعرية تنبع منها قيم كثيرة ينبغي أن تتوافر في كل من يتوجه بعمله إلى الطفل، كالإحساس العالي بالجمال، والحب الكبير للأطفال وعالمهم، واعتبارهم أطفالاً لنا، ومسؤولين عنهم على نحو أو آخر، وعن أدب الطفل قالت: إن كتاب الأطفال كما قال أحدهم هو “جواز سفر إلى التربية والمعرفة”، وأدب الأطفال له علاقة وثيقة بالمراحل العمرية، فلكل مرحلة أدب يناسبها، ولا يفوتني القول: لا بد من رفد أدب الطفل المحلي بأدب الأطفال في البلدان الأخرى عن طريق الترجمة لكن بشرط تطويعه ليتلاءم مع ثقافتنا.
جمان بركات