وهم أحّن من الحقيقة
تمر الحياة هادئة، رشيقة حتى أنك لا تسمع صوت صداها المرتطم بالفراغ، تنسل كأفعى تعبر من تحت كومة قش. رغم كل الدمار والخراب الذي يقبع خارج أسوار الروح، لم تيأس في محاولتها المستمرة، في الحفاظ على القليل من الهدوء النسبي الداخلي.
مع مرور الأحداث والأوغاد في حياتها، بدأت ذاكرتها تخونها، كما فعل بها الزمن وحراسه.
هي تعلم جيدا أنه سيأتي اليوم الذي تكف فيه عن النظر إلى وجهها في المرآة، ليس لأنها تقدمت بعض الشيء في السن، فهي مازالت أربعينية الروح والقلب، ولا لأن مرآتها سيئة السمعة، ماعاذ الله، ولكن أيقنت بأنه لم يعد هناك شيئا تقوله لنفسها، لتقتنع أن كل ما تفعله وما ستفعله مغر حقا بالاستمرار، لم تعد تخبئ في جعبتها أي كذبة ترميها في وجه (كيف وماذا ولماذا..) إذ ما أشهروا سيفهم اللئيم عند كل صباح ومساء، وتلك النظرة الرائعة والفخورة التي كانت تحط على شالها كفراشة نسيت بإشراقة وجهها قوس قزح الأزهار، اندثرت تحت أكوام الخذلان، ولن تجلب لها بعد الآن ذاك الإحساس الدافئ الذي يمنح جسمها مرونة المضي قدما في هذا (الشقاء) المسمى مسؤولية.
منذ الآن سيكون عليها أن تغلق عينيها، وكأعمى يتقدم في الحياة بحدسه، يجب أن تتقدم وكأنها بلا وجه، وكأنها كائن بلا جسد، أتت من قصة خيالية أو من حديث عابر بين اثنين جمعتهم الصدفة على مقعد في حديقة عامة..!
هي الآن روح قديمة تتنقل بين الأفكار والعواطف، لا يحدها الزمن، تبدأ ولا تنتهي أبدا.
لا أحد يعلم أنها منهكة عاطفيا، ونسخ السعادة المستعملة ماعادت تعطي نتائج مرضية، وما عادت تجربها أصلا.. كل ما تفعله الآن أنها تعيش في الجزء الضئيل من حياتها، والباقي منها تتخيله. فقط لجاذبية الأرض تأثير واضح عليها، إنها تثقل خطواتها، فلم تعد سعيدة في المشي، أخبرتني أكثر من مرة أنها تريد أن تطير، وبأن القاعدة الأساسية التي آمنت بها في كل حياتها، أنه ليس هناك قواعد في الحب، الحب من طبيعة محلقة، ينطلق في الأعالي مع اختلاف النبض.
لينا أحمد نبيعة