مشفى الأطفال.. أعباء كبيرة ونقص في الكادر التمريضي.. ومعاناة المواطن تتضاعف في غياب بعض الأدوية والأجهزة
أبو حسين، الرجل الخمسيني القادم من مدينة دير الزور مصطحباً معه زوجة أخيه وطفلها إلى مشفى الأطفال، لم يعتقد أن مريضه سينتظر في الإسعاف حتى يتم تأمين حاضنة له بسبب عدم توفر حاضنة فارغة، الطفل الذي يعاني من مشكلة صحية في إحدى رئتيه تم تحويله إلى مشفى الأطفال في دمشق بعد رحلة سفر شاقة قطعها وهو لم يتجاوز بضعة أشهر، يوضح أبو حسين قائلاً: “قبل أن نأتي إلى مشفى الأطفال كلّفنا علاج الطفل في أحد المجمعات الطبية الموجودة هناك حوالي أربعمئة ألف ليرة، وفي النهاية لم يطرأ تحسن على حالته الصحية، أجور السفر مرتفعة جداً وصلت إلى خمسة وأربعين ألفاً، إضافة إلى مبلغ ستة آلاف ليرة للشخص الواحد ندفعها عند عبورنا نهر الفرات من ضفة إلى ضفة مقابلة، ما يحمّلنا أعباء مالية كبيرة جداً لا طاقة لنا على تحمّلها، وها نحن ننتظر منذ ساعات الصباح الباكر لعل الحظ يحالفنا ويتم تأمين حاضنة للطفل الذي ساء وضعه بسبب مشقة السفر، والانتظار في الإسعاف”!.
مزاجية في التعامل
يضطر المواطن لتحمّل مزاجية بعض العاملين عند الدخول والخروج داخل المشفى، حيث الصراخ وعدم الاحترام، ودائماً الحجة حاضرة لتبرير هذا السلوك وهي الضغط الكبير الملقى على المشفى، والتعليمات الصارمة من قبل إدارة المشفى، وهنا لا نريد أن نبخس من يقوم بعمله بكل مهنية وإنسانية حقه، ولكن من الضروري الإشارة إلى السلوكيات السلبية التي تم رصدها، بداية تحدث لنا أحد المواطنين عن استغلال جهل بعض الأهالي، وأخذ مبلغ يتراوح ما بين 250 و500 ليرة سورية، وفي بعض الحالات قد يصل إلى ألف ليرة، وهذا ما أكدته لنا إحدى الممرضات داخل المشفى، وهو إيصال تأمين بطاقات زيارة لا تتجاوز قيمته 25 ليرة سورية موجودة أصلاً في الإيصال، حيث تبدأ من هنا رحلة ما تسمى “الواسطة”، إحدى السيدات تحفظت عن ذكر اسمها كغيرها من ذوي الأطفال الموجودين داخل المشفى، شرحت لنا المعاناة مع من ينظمون دخول الأهالي إلى المبنى، وعدم تجاوبهم أو حتى إعطائهم فرصة لشرح سبب الدخول، موضحة أنها تتحمّل أعباء مادية كبيرة لتأمين الدواء مرتفع الثمن الذي يطلب منها أن تشتريه من خارج المشفى، إضافة إلى صورة ثلاثية الأبعاد للمريض، تكلفتها أربعون ألف ليرة سورية لعدم توفر الجهاز إلا في مشفى الأسد الجامعي، والأندلس، ما اضطرها لإجراء الصورة في مشفى الأندلس، تقول السيدة: أجريت عملية للطفل، ولكن بعد أن تحسن وضعه وعاد للمنزل تعرّض للانتكاس، حيث أخبرها طبيبه بأنه يحتاج منفسة، وضرورة إدخاله للعناية المشددة، ولكن لم يتم تأمين منفسة للمريض، مضيفة: أنا كنت موظفة في أحد المشافي، ولدي علم بأنه في كل مشفى توجد منفسة احتياط، وبعد جهد جهيد تم تأمين منفسة في هذا اليوم، نكمل 16 يوماً في المشفى، أرخص دواء ثمنه أربعة آلاف وما فوق، كلها على حسابي لعدم توفرها في المشفى، عدا عن الصعوبة في الحصول عليها من الصيدليات، فهي إبر للاختلاج، لدرجة أنه عندما يأتي وقت الزيارة، مباشرة يطلب مني الذهاب لتأمين الدواء، متسائلة: هل يعقل في مشفى متخصص كمشفى الأطفال عدم توفر هذا الدواء؟! أنا أعاني من فشل كلوي، ومسؤولة عن طفل مريض تخلت عنه أمه وفقد والده، رغم وضعي الصحي السيىء، ورحلة البحث عن الدواء خارج المشفى، يمنعني الموظف من الدخول، ولا يسمح لي إلا بدقيقة واحدة لإدخال الدواء، عندما طلبت السماح بالبقاء بجانب المريض، أجابني المعنيون: “المرافقون الموجودون هم من سيهتمون به”، مختتمة حديثها: “كل ما أطلبه هو أن يرأف العاملون في المشفى بحال الناس”؟!.
ضغط كبير
مجموعة من الممرضات التقينا بهن أثناء إعداد التحقيق، تحدثن عن الظلم الواقع عليهن كممرضات يعملن تحت ضغط كبير، إحدى الممرضات تحدثت عن العدد القليل للممرضات في المشفى، ما يزيد ضغط العمل عليهن، إضافة إلى المعاملة السيئة من قبل بعض الموجودين في إدارة المشفى، مضيفة: “الجميع يضع اللوم على الكادر الطبي، خاصة الممرضات، ولكن نحن أيضاً لدينا هواجسنا وهمومنا التي قلما تلقى آذاناً صاغية، نسمع الكثير من الوعود التي لم يتحقق منها شيء، مع العلم أنها مطلب حق وليست رفاهية”، أيضاً إحدى الممرضات تحدثت عن الحوافز التي يحصلن عليها كل ثلاثة أشهر، والتي لا تتجاوز أربعة آلاف ليرة، في حين هناك من يأخذ حوافز عالية في مشاف أخرى، متابعة حديثها: “حتى نحن على الرغم من أننا نعمل في المشفى، ونبذل كل جهدنا، نحتاج أحياناً إلى “واسطة” لإجراء تحليل، وهذا ما حصل معي أنا شخصياً عندما كنت أريد إجراء تحليل لطفلي، بالطبع هناك من يعمل بكل إنسانية ومهنية في المشفى، ولكن يوجد من يسيء أيضاً، ما يخلط الحابل بالنابل، لذلك لا يجب أن نضع الجميع في سلة واحدة، ومن الضروري تقدير الجهد الذي يبذله الطاقم الطبي في المشفى، خاصة أننا تحمّلنا عبئاً كبيراً جداً أثناء الحرب”، مضيفة: “الكثير من خريجات التمريض يرفضن الالتحاق بمشفى الأطفال في حال تم فرزهن إليه، ويفضلن العمل في مشاف خاصة لرواتبها العالية، وحوافزها، وعدم وجود ضغط فيها، والمثير للاستغراب كيف يتم التغاضي عنهن”؟!.
حالات تم رصدها
الواقع المرير الذي يعاني منه المواطنون، والعبء المادي والجسدي والنفسي الذي يتحمّلونه كبير جداً، أحد الأهالي، وهو من مدينة منبج، يضطر للنوم في الحديقة المجاورة للمشفى في كل مرة يحضر طفلته لمدة تتجاوز أحياناً عشرين يوماً، سيدة تجاوزت السبعين عاماً، أيضاً من مدينة منبج، أخبرتنا عن مكوثها كل فترة علاج حفيدها، ونومها في الحديقة، حيث تقوم باستئجار غطاء بـ 300 ليرة لليلة الواحدة من أحد الشبان الذين يحضرون الأغطية للحديقة، ويؤجرون من يريد ممن تضطرهم ظروفهم المادية الصعبة لقضاء ليلتهم في الحديقة، وتساءل والد أحد الأطفال المرضى: “هل يعقل أن يتم التعامل مع الأهالي بأسلوب غير محترم من قبل بعض العاملين، سواء الكادر الطبي أو الإداري، بحجة أن المشفى يقدم خدمات مجانية، مع العلم أننا نتكلّف في كثير من الأحيان مبالغ لا طاقة لنا على تحمّلها، سواء عند إجراء صور أو تحاليل، أو شراء أدوية يطلب منا إحضارها لعدم توفرها في المشفى؟!”، أيضاً شاب عسكري قادم من مدينة حماة، ويحارب على جبهة ادلب، يريد الاطمئنان على طفله قبل أن يسافر، لم يسمح له بالدخول بحجة الالتزام بأوقات الزيارة المخصصة للرجال رغم شرحه لوضعه الصعب، وعدم قدرته على الانتظار؟!.
جهات تؤدي عملها قبل مشفى الأطفال
الدكتورة هدى داوود، نائب مدير مشفى الأطفال، تحدثت عن وضع خطة عمل واضحة للمشفى الذي يحتوي على 455 سريراً، إضافة إلى قسم الإقامة، وهو قسم مفتوح يفترض أن يحتوي على 38 سريراً، ولكن طالما هناك مآخذ أكسجين تعمل لا يتم رفض أية حالة، حيث يصل استيعاب المشفى أحياناً ما بين 525 إلى 550 سريراً، وهذه مشكلة أساسية، لأن الاستيعاب دائماً مفتوح، والكادر يجب أن يكون مستعداً، فالإقامة المؤقتة تستوعب كل المرضى، تضيف داوود: “نحن كمشفى نريد جهات تؤدي عملها قبل مشفى الأطفال لتخفف الحمل عن المشفى، لذلك يجب أن توضع خطة استراتيجية واضحة، وتفعيل المراكز المتخصصة، سواء في دمشق أو في المحافظات الأخرى، خاصة مع انتهاء الأزمة، فالمشفى مركز بحثي علمي أكاديمي خدمي، نحن نجمع بين العلمي والأكاديمي والخدمات، وخلال ظروف الحرب تحمّلنا كمشفى أطفال عبء الخدمات، لأنه يتوجب علينا أن نهتم بالحالات المعقدة والنوعية أكثر من الحالات البسيطة التي يمكن أن تخدم بأماكن أخرى”، وبالنسبة للأخطاء والمشكلات الحاصلة أوضحت داوود: “هناك اعتراف بالأخطاء، ومتابعة يومية لها، وفتح تحقيق في حال وجود أي خطأ”.
نقص الكادر التمريضي
أوضحت الدكتورة داوود أن الإدارة تعمل على توسعة ملاك المشفى من خلال تقديم الطلبات ومتابعتها، لأن المشكلة هي بالضغط الكبير، بينما الكادر ثابت، فمن الضروري أن يضاعف الكادر التمريضي، فإذا كان عدد الممرضات 500، نحتاج إلى 1000 ممرضة، وهذه نقطة مهمة جداً، وأكدت داوود أن العمل جار لرفع طبيعة العمل للممرضات، لأنها مطلب حق للجهد الكبير الذي يبذلنه، وبالنسبة للأدوية فإن ما يميز الخطة هذا العام وكما تقول داوود هو استجرار الأجهزة والأدوية الوطنية، وتأمينها بنسبة 50 بالمئة عن طريق وزارة الصحة، إضافة إلى “فارمكس” بنسبة 25 بالمئة، وانتظار وصول الأجهزة التي طلبت، فالمشفى يعمل جاهداً لتأمين الأدوية الإسعافية، إضافة إلى التحاليل في المخبر الموجود في المشفى الذي يغطي حاجة المشفى بنسبة 95 بالمئة، حسب ما أوضحت داوود.
مشفى الأطفال تحمّل أعباء كثيرة خلال الحرب، لكن المطلوب اليوم أن تؤخذ هموم الناس ومعاناتهم بعين الاعتبار من الجهات المعنية، لأن ما يعانيه المواطنون يفوق طاقتهم، وعلى الرغم من الجهود المبذولة، يبقى هناك الكثير من النقص، سواء في بعض الأدوية، أو الصور التي تحتاج إلى أجهزة متطورة لا توجد إلا في مشاف معينة، إضافة إلى التحاليل التي يضطر المواطن إلى إجرائها خارج المشفى، وغيرها من التفاصيل التي لن نتمكن من ذكرها جميعها، إذاً المطلوب اليوم بذل أقصى الجهود، والعمل بوتيرة متسارعة، وتعاون كل الجهات المعنية لتحسين واقع العمل في المشفى، لأننا في النهاية نتحدث عن شأن إنساني يتعلق بأرواح الناس لا يحتمل الانتظار.
لينا عدرة