وقاحة ما بعدها وقاحة ..!
أن يبرر الرئيس الأمريكي استخدام “الفيتو” ضد قرارات الكونغرس بأن هذه القرارات تضرّ بالعلاقة مع حلفاء أمريكا وشركائها، فأمر مفهوم، وتفسيره الواقعي هو أن الرجل لا يريد التنازل عن صفقات بيع السلاح للسعودية والإمارات بمليارات الدولارات، رغم علمه أن هذه الأسلحة ستستخدم للاستمرار في تدمير اليمن وتقتيل شعبه، فلا مبادئ إنسانية أو أخلاقية أو حتى قانونية دولية تحكم سياسة ترامب الذي لم يخفِ أبداً رغبته الجامحة في الحصول على أموال الخليجيين بكل الوسائل.
أما أن يزعم، وهو الذي ما كانت السعودية ستستطيع الاستمرار في ارتكاب مجازرها بحق الشعب اليمني لولا أسلحته الفتاكة، أن حظر مبيعات الأسلحة قد يطيل الحرب في اليمن، ويعمّق المعاناة الناجمة عنها، فهذا محض كذب، واستخفاف بالعقول، ووقاحة ما بعدها وقاحة.
لا يستطيع أحد اليوم إنكار أن السعودية فشلت فشلاً ذريعاً في حسم الحرب لصالحها، وأن السلاح الأمريكي الذي قاتلت به اليمنيين لم يستطع النيل من صمودهم وثباتهم في مواقع الدفاع عن بلدهم وأنفسهم، بل والانتقال إلى مواقع الهجوم، وتطوير أسلحة فعّالة قادرة على ردع العدو. فهل ستغيّر صفقات السلاح الجديدة هذه المعادلة في الوقت الذي تتزايد فيه الأدلة، وليس أقلها التغيّر في الموقف الإماراتي، على أن أعداء اليمن قد غرقوا في وحوله، وأنهم باتوا في حاجة ماسة إلى مخرج بعد أن تأكدوا أن حربهم القذرة لن تكسر شوكة اليمنيين حتى وإن ألحقت بهم أسوأ كارثة إنسانية في العالم، كما أكدت الأمم المتحدة.
كيف يمكن إذاً لصفقات الأسلحة أن تُساهم في تقصير أمد الحرب، وتخفيف المعاناة الناجمة عنها؟!، ومن سيصدّق هذا التبرير الترامبي الوقح الذي يحاول عبثاً حجب شمس الحقيقة بالغربال، والحقيقة هي أن للإدارة الأمريكية مصلحة في استمرار الحرب، لأنها تدرّ عليها أرباحاً خيالية يسيل لها لعاب ترامب، ومن هذه الزاوية فإن الحرب العدوانية على اليمن هي حرب أمريكية بامتياز، ويبدو أن السياسة في عالمنا المعاصر قد أصبحت فعلاً لا أخلاقياً تماماً، فأمثال ترامب ممن يرتكبون أفظع الجرائم بحق الشعوب، ولا يتورعون عن تبريرها بأكثر التبريرات مجافاة للحقيقة وتزويراً للواقع هم كثيرون للأسف، وها هو الرئيس التركي لا يتورع عن استخدام شعار محاربة الإرهاب لتبرير العدوان العسكري الذي تعهّد مؤخراً بشنه في سورية، بالرغم من أنه مازال مستمراً في دعم من بقي فيها من الإرهابيين الذين جاؤوا من أربع جهات الأرض لتدمير الدولة السورية، وبالرغم من أن سياسته الداعمة للإرهاب منذ البداية هي التي ساهمت إلى حد بعيد في تكوّن الوضع الشاذ الذي تُعاني منه بعض المناطق في الشمال السوري.
لكن، وكما أن صفقات الأسلحة الأمريكية لن تؤدّي إلا إلى مزيد من توريط السعودية وحلفائها في اليمن، فإن تهديدات أردوغان لن تثني الدولة السورية عن الاستمرار في مطاردة فلول الارهابيين، ومحاربة الوجود الأجنبي غير الشرعي تحت أي اسم كان، والتصدّي للدعوات الانفصالية، والعمل على الوصول إلى الحل السياسي الوطني الذي يلبي إرادة السوريين.
محمد كنايسي