عن “قميص” المهجّرين ورهائن “الآمنة”
لم يقدّم خبر “واشنطن بوست” الجديد عن منع واشنطن الغذاء عن نحو (30) ألف سوري في مخيم الركبان، أي جديد حول استخدام المهجّرين السوريين كرهائن لدى الجميع لأسباب تتدرّج من السياسية المراوغة – كما في حالة واشنطن التي حوّلت، علناً، قضيتهم من قضية إنسانية إلى أداة سياسية بحتة، فمنعت الدول من إعادتهم تحت طائلة سيف العقوبات القاطع قبل تحقيق الحل السياسي كما تراه وتريده – إلى المالية الفجّة، كما في حالة دول الاستقبال العرب، وكان آخر ما حرّر في هذا المجال مطالبة دولة عربية الأمم المتحدة بتقديم “تعويضات بيئية” بسبب ما أسمته “أزمة اللجوء السوري منذ عام 2011”..!!.
وبالطبع لا يتوقّف استغلال المهجّرين على هؤلاء، فـ “أردوغان” الذي كان أول من رفع “قميصهم” عالياً كإحدى أدوات حربه على الدولة السورية، وجد اليوم فائدة جديدة لهذا “القميص”، وهو أن يكون، من جهة أولى، الشمّاعة الوحيدة لتبرير ترديه الاقتصادي وخسارته السياسية في اسطنبول، وليكون، من جهة ثانية، رهينة ووقود “المنطقة الآمنة” التي أصبحت تشكّل، مع “القميص”، “الملجأ الآمن” الأخير له من تبعات ارتدادات سياساته الكارثية سواء في الداخل أم الخارج.
وسريعاً بدأ صاحب العقل الإخواني الانتهازي هذا في التنفيذ، فأمام حقيقة سوء علاقته بالخارج الأوروبي، الذي ينظر إليه بعين الريبة، يمكن التلويح بفتح حدوده أمام طوفان المهجّرين، وبالتالي “لن تصمد حكومات أوروبا 6 أشهر”، كما هدّد وزير داخليته، وأمام الداخل الذي يغلي وجد أنه يمكن استخدام المهجّرين هذه المرة، ولكن بالطريق المعكوس عبر إخراجهم نحو “المنطقة الآمنة” المشتهاة، فمن جهة أولى يمتص بعض غضب الداخل، مما يعتبرونه سبباً في أزمتهم الاقتصادية، ومن جهة ثانية يزوّد آلته الحربية هناك بكادر بشري لن يسأله ناخبوه عن دمائهم، ومن يبقى منهم حياً يمكن، من جهة ثالثة، استخدامه لاحقاً في السيطرة على قرار “المنطقة” السياسي، للمشاركة مستقبلاً بقرار دمشق في أي حلّ قادم، وإذا تعذّر ذلك، فيمكن الاستفادة منهم في استعادة تجربة “لواء اسكندرون” السليب، ليفصح في الحالات الثلاث عن حقيقة أن “المهاجرين” ليسوا سوى رهائن عند سلطان “الأنصار” يرفع “قميصهم” في صراعاته الداخلية والخارجية، كما رفع يوماً ما جثة “خاشقجي” و”قميصه” من أجل كل شيء ما عدا الحقيقة، فهذه آخر ما تُعنى بها حسابات رجل مثله يسكنه، وهم “أستاذية العالم” الإخواني، حيث العالم ملعب “الجماعة” ومُلك مرشدها العام.
بهذا المعنى لا يقدّم خبر “الواشنطن بوست” جديداً، فواشنطن تمارس ما اعتادت عليه هي وغيرها، “تجوّع” المدنيين في الركبان لتتاجر بـ”جوعهم” ضد دمشق من جهة، ولتجبر شبابهم، من جهة أخرى، على الانخراط في ميليشياتها، فالجميع كان يعرف ومنذ البداية أن المهجّرين “قميص” ورهائن في الآن ذاته، وإن كان بعضهم قد وجد نفسه في موقع الرهينة رغبة في مصلحة شخصية أو رهبة من إرهاب متنقّل، إلا أن المستغرب هو من “فصيل ماركسي”..!! وضع ذاته رهينة في الشرق تحت تصرّف “الأمريكي الامبريالي” بحسب مبادئه النظرية المفترضة، معتقداً أنه بذلك يخدم مشروعه الخاص، فيما التاريخ يقول: إن “الامبريالي” لا يعتبره سوى رهينة يستخدمها في مشروعه التفتيتي للمنطقة “الذي يستهدف كل السوريين ووحدة الوطن السوري”، وهي “رهينة” سيتخلّص منها عند أي مفصل، سواء كان “آمنة” تركيا أو “آمنة” مصالحه مع دول أخرى – روبرت فرود السفير الأمريكي السابق في دمشق يقول بحكم تجربته: “إذا كنت مواطناً سورياً، أنصحك بأمانة بألا تتوقّع الكثير، ولا تنتظر جديداً من الولايات المتحدة” – فالمتغطي بالأمريكان عريان، ليَثبُتَ للمرة الألف، وبالتجربة، أن الخلاص لا يكون سوى بـ”العودة إلى الحاضنة الوطنية”، وذلك “قول” لفرقاء نأمل ألا تكون “متلازمة ستوكهولم” الشهيرة قد غيّبت “عقلهم السياسي” و”ضميرهم الوطني”، وحتى مصلحتهم المباشرة، فحينها ستعم الخسارة الجميع.
أحمد حسن