2013 كان الأكثر تضخماً.. و2018 الأعلى لأسعار السلع والخدمات في الطريق إلى إنتاج رقم دقيق ومعبر وبانتظار تعداد عام للسكان.. هل تعافى العمل الإحصائي؟ عامر: رغم الأزمة أنجزنا بين 2012و 2019 نحو 60 مسحاً ونعمل على أخرى!!
يؤدي وجود رقم إحصائي دقيق يُبنى عليه تخطيط سليم وشامل إلى نمو متكامل، لا يُقاس بوتيرته، وإنما بآليات تحقّقه من خلال تنمية مستدامة متوازنة، تساهم في تطوير الأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، فالنمو المتسارع يعني الحدّ من الفقر، ورفع الإنتاجية، ومثلها معدلات التشغيل وغيرها، فهل تعافى هذا الرقم لدينا، وهل عاودت عربة المسوح والدراسات الإحصائية السير على سكة الاستقرار؟.
لم يكن من السهل لمؤسسة بحجم وتشابكات المكتب المركزي للإحصاء أن تواصل عملها خلال الأزمة، في ظل تداخل هذا العمل مع الكثير من الجهات العامة والخاصة، وصعوبة الوصول إلى العينات والشرائح المستهدفة بالمسوح والدراسات، ونقص وتسرب الكوادر، والأهم أن مسوحها وبياناتها إنما تجمع ميدانياً، لذا فإن إنجاز 60 مسحاً خلال الأعوام 2012- 2019، أمر يضعه مدير المكتب الدكتور إحسان عامر في باب (ليس بالإمكان أفضل مما كان)، فالعمل الإحصائي هو أحد سمات أوقات الاستقرار لا الحرب.
معضلة تعداد السكان
وضع تعثّر تنفيذ التعداد العام للسكان، والذي كان مقرراً إجراؤه عام 2014، العصي في عجلات المسوح المختلفة، بالنظر لكونه حاملاً رئيسياً لها، ويحتاج ما لا يقلّ عن سنتين من التحضير، وتليه سنوات من تنفيذ الدراسات والتحاليل المعمّقة على نتائجه، والأهم أنه يوفر قاعدة بيانات متكاملة يمكن استخدامها في التخطيط على المستوى الوطني، بغرض تحقيق أهداف مرحلية وإستراتيجية ديموغرافياً واجتماعياً واقتصادياً.. يقول عامر.
وعوائق أخرى..
لم يتمكّن المكتب من تنفيذ المسوح المطلوبة جراء العوائق والصعوبات، التي اعترضت عمله خلال سنوات الأزمة، والتي من أبرزها: عدم الوصول ميدانياً إلى القطاعات المستهدفة واستخلاص المعلومات الصحيحة من الشرائح موضع البحث، وغياب البيئة السكانية والمكانية اللازمة لسحب العينات نتيجة ظروف الحرب وتغيّر أماكن سكن الكثيرين، ونقص وتسرّب الكوادر الإحصائية الخبيرة من المكتب، مع ثبات حجم العمل المنوط بالمكتب، يضاف إلى هذه العوائق، عدم السماح بنشر هذه البيانات والإفراج عنها، وحتى عندما أُفرج عنها حالياً، لم يُستفد من نتائجها لتغيّر أغلب الظروف التي كانت سائدة أثناء فترة تنفيذ البحوث والدراسات.
ضعف التنسيق..
يشكو القائمون على العمل الإحصائي من ضعف التنسيق بين المكتب والجهات الحكومية، وتباعد الجداول الزمنية لتنفيذ خطط العمل السنوية، ما يحول دون توافر البيانات اللازمة لإتمام المسوح والدراسات في وقتها المحدّد، فمثلاً ينفّذ المكتب بشكل دوري حصراً للعاملين في الدولة، عبر جمع بيانات من خلال استبيانات توزع على الجهات الحكومية، بيد أن هذه البيانات غالباً ما ترد متأخرة، فضلاً عن اختلاف المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في عملية إنتاج هذه البيانات، ويمكن للتغلب على مثل هذا الخلل، تنفيذ ربط شبكي بين الأطراف الشريكة في النظام الإحصائي الوطني، كالربط بين المكتب والجمارك لرصد حركة المعابر والبضائع المستوردة.
مسح أسعار السلع والخدمات
يعكس مسح الأرقام القياسية والإيجارات واقع ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تستهلكها الأسرة السورية، وذلك باعتماد عام 2010 كعام أساس، نظراً لأن آخر مسح لدخل ونفقات الأسرة نُفّذ في 2009- 2010، وتكمن أهمية هذا المسح كونه يعطي صورة قريبة من الواقع للأنماط الاستهلاكية السائدة على مستوى الشرائح والمناطق، تبعاً للدخل والقوة الشرائية، كما تستمد منه تثقيلات وأوزان كل مادة أو خدمة ضمن سلة المستهلك المختارة حسب إنفاق الأسر.
ويقول مدير إحصاءات التجارة والأسعار في المكتب بشار القاسم: إنه لدراسة العلاقة بين الرقم القياسي لأسعار المستهلك، الذي ينشره المكتب شهرياً، والسياسات التي ترتبط به، لا بد من تحليل هذا الرقم لمعرفة العوامل المحيطة والمؤثرة فيه، ومن الطبيعي أنه يرتبط بتغيّر أسعار الصرف والمحروقات، واستقرار الأوضاع وحركة الطرق، وقرارات الاستيراد والتصدير، وموسمية الإنتاج الزراعي، وتغيّر أنماط وعادات الاستهلاك.
وباحتساب سنة الأساس عند الرقم (100)، فإن هذا الرقم وصل العام الفائت -بشكل تقديري- إلى 801، وهذا معناه أن قيمة السلعة أو الخدمة تضاعفت ثمانية أضعاف، وفقاً للقاسم، الذي يميّز بين الرقم القياسي الذي يقارن مع سنة أساس، وبين التضخم الذي يعدّ رقماً متذبذباً، ويقارن مع العام السابق، حيث كان العام 2013 أكثر أعوام الأزمة تضخماً بـ 82.36 بالمئة ارتفاعاً عن سابقه 36.48 بالمئة، إذ يتغيّر رقم التضخم تبعاً للظروف المحيطة على نحو ملحوظ.
الأمن الغذائي الأسري
لا بد من توافر جملة من الشروط التي تجعل الأمن الغذائي للأسرة ممكناً، ولاسيما ما يتعلق بتوافر السلع الضرورية، والقدرة على الوصول إلى الغذاء، والقدرة على الحصول عليه أيضاً (القوة الشرائية)، وتكيّف الفرد مع الظروف والبدائل الغذائية، وكان المكتب نفّذ بالتعاون مع هيئة التخطيط والتعاون الدولي ومنظمة الغذاء العالمي، مسحاً ميدانياً غطى أعوام 2015، 2017، 2019. وبنظر القاسم، فإن من أهم نتائج هذا المسح تغيّر الأنماط الاستهلاكية والغذائية للفرد والأسرة، مع السعي بشتى الطرق لتحسين الدخل، بما يكافئ التضخم الناتج عن تبعات الأزمة.
ويشير قاسم إلى أهمية النتائج المستخلصة، ولاسيما لجهة تراجع نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً من 33 بالمئة إلى 28.6 بالمئة، والتي تعاني من انعدام الأمن الغذائي من 51 بالمئة إلى 38.1 بالمئة، مقابل تحسّن نسبة الآمنين غذائياً من 16 بالمئة إلى 33.3 بالمئة، لافتاً إلى أنه وبالتقاطع ما بين واقع الإنفاق والاستهلاك للأسر من نتائج مسح دخل ونفقات الأسرة 2009/2010، والأرقام القياسية لأسعار المستهلك، يمكن الوصول إلى تقدير الإنفاق الأسري لعام 2018 بنحو 325 ألف ليرة سورية، وذلك بناء على معدلات استهلاك وإنفاق مشابهة لعام 2010. وعند النظر إلى نتائج مسوح أخرى نفّذها المكتب خلال السنوات الفائتة، ومنها المسح الديموغرافي الاجتماعي متكامل الأغراض لعام 2017، يلاحظ الإنفاق الفعلي للأسرة على مستوى البلاد، والبالغ 116 ألفاً، وفي دمشق 137 ألفاً.
قيد المسح..
يحضّر المكتب، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتنفيذ تعداد شامل للمنشآت الاقتصادية والاجتماعية والخدمية على مستوى محافظات.. دمشق، ريف دمشق، اللاذقية، طرطوس، السويداء، وذلك بهدف توفير بيانات وحصر القطاع الاقتصادي غير المنظم (غير الرسمي)، وإجراء المقاربات المطلوبة مع السلاسل الاقتصادية السابقة لقياس معدلات النمو الاقتصادي، كما يحضّر المكتب لمسوح ودراسات أخرى على مستوى القطاعات المختلفة.
أحمد العمار