كيف يولد النظام الدولي؟..
د. مهدي دخل الله
موت نظام دولي وولادة آخر، أمر بحاجة «لمشفى» كأي موت وأي ولادة!…
المشفى هو منطقة يتصاعد فيها مرض النظام القديم المميت، وتتكون فيها جينات المولود الجديد، لكن المهم هو طبيعة هذه «المشفى – المنطقة» وخصوصيتها: شعبها وقواها وإدارتها!…
* التجربة الأولى: في الحرب العالمية الثانية نشأ نظام عالمي عنوانه «التحالف ضد النازية»، لكن صلاحية هذا النظام التاريخية انتهت، وأصيبت بمرض الموت في السنوات الأولى بعد الحرب. المشفى الذي شهد مماته وولادة النظام الجديد «ثنائي القطب» كانت شبه الجزيرة الكورية.
كان موتاً صعباً وولادة أصعب. دفع الشعب الكوري ثمن الموت والولادة أكثر من مليون ومئتي ألف ضحية، ناهيك عن التدمير الشامل. النتيجة كانت موت النظام السابق وولادة الجديد على حساب الشعب الكوري الذي مازال مقسماً حتى الآن في دولتين متصارعتين..
* التجربة الثانية: في التسعينيات انتهت صلاحية «ثنائي القطب»، وأصيب بمرض الموت، المشفى هذه المرة كانت يوغسلافيا وسط أوروبا. اندلعت هناك حرب من أبشع الحروب، وظهرت فيها داعشيات الذبح والتنكيل والتطهير العرقي بين ثلاثة مكونات من شعب واحد، “المسلمين والكاثوليك والأرثوذكس”. لم يتهاون أحد في داعشيته على الرغم من أنهم جميعاً عاشوا في وئام تحت راية يوغسلافيا وزعيمها الراحل تيتو..
الثمن كان حوالي مليون من الضحايا، إضافة إلى التدمير، ثم قسمت البلاد إلى ست جمهوريات مستقلة، إضافة إلى كوسوفو. بعض هذه الجمهوريات انضم للناتو، والأخرى تميل نحو روسيا..
* التجربة الثالثة: مع انتهاء صلاحية نظام «أحادي القطب» وضرورة ولادة نظام جديد متعدد الأقطاب وأكثر توازناً كان لابد من وجود «مشفى – منطقة» لموت الأول وولادة الثاني. المشفى هذه المرة كانت سورية. تميّز هذه التجربة عن التجربتين السابقتين يظهر في نوعية «العاملين» في المشفى ونوعية إدارته (قيادته).. في التجربتين، الكورية واليوغسلافية، إنهارت الإدارة ، أي الدولة، في الحرب، فجاءت النتيجة على حساب الشعب الكوري الواحد الذي انقسمت بلاده إلى شطرين، وكذلك على حساب الشعب اليوغسلافي الذي انقسمت بلاده الى ست دول.
في سورية الشعب صمد وتصدى، وكذلك قائده وجيشه ودولته، لذلك ستكون سورية عاملاً فاعلاً في صياغة النظام الجديد، وليس منفعلاً به أو دافع ثمن فاتورته.. وهذا من أهم التحولات التاريخية في منطق موت النظم العالمية وولادتها.
mahdidakhlala@gmail.com