الطعن بالبراءة!
تشدنا قصص الإثارة بكل أنواعها وأشكالها كونها تمثّل في بعض جوانبها جزءاً من شخصياتنا المتنكرة بأقنعة متعددة الوجوه تخفي ما تخفيه من مكنوناتنا الذاتية، وحقائقنا النفسية التي تجعلنا بشكل فطري جزءاً من منظومة الرواة والشهود على سوداوية الحياة الاجتماعية، وخروجها عن الأعراف والتقاليد، وقد نتحول كغيرنا إلى الاقتباس والتأليف وكتابة سيناريو تلك القصص المختبئة تحت عباءة “الفضائح الجنسية”، حيث تستهوينا هذه القصص، ونسعى دائماً لمعرفة أدق التفاصيل والحيثيات، ونجتهد في البحث فيها كونها تسهم في تحقيق رغباتنا المكبوتة، وتساعد في وصولنا إلى الرغبة المعرفية الملعونة بلعنات الأحكام المسبقة، واتهاماتها الطاعنة ببراءة من تستباح كرامتهم وأخلاقهم بتهم مشينة، ودون أي دليل سوى الأقاويل الناقصة، والإفادات التي تحمل الكثير من التناقضات، والاتهامات الغيبية الناضحة بالغموض، والناطقة بصيغ المجهول، فيدان الفعل، وتسوقه الشائعات إلى منصة الاتهام دون أي إثبات سوى تلك الرواية الافتراضية التي تتحول، مهما كانت ضعيفة أو متناقضة في أحداثها، إلى دليل إدانة يستدرج القضية برمتها إلى ساحة الجريمة الكاملة، فتغلق جميع الأبواب أمام المتهم الذي يكون أو “تكون” في وضع لا يحسد عليه، لتلاحقه التهمة أينما ذهب، بحيث تفشل جميع محاولاته لاسترداد براءته التي باتت بحكم السمعة المشبوهة.
نحن هنا لا ندافع عن المسيء، أو نبرىء تلك الأفعال المشينة التي نقر بوجودها، وخاصة في هذه الأيام، بل نحاول رفع الغطاء عن مجتمعنا الذي ينشغل أفراده بسرد قصص الخيانة الزوجية، والعلاقات المشبوهة خارج مؤسسة الزواج، بحيث وصلنا إلى مرحلة الشك المرضي بمقومات المجتمع وحاضنته التربوية والأسرية، فبدلاً من التروي في إطلاق الأحكام النهائية التي قد تنهي حياة أسرة لمجرد الشبهة، يلجأ الكثير من الناس إلى التعميم الأعمى الذي ينسف جميع الشكوك، ويستبعد البراءة، إذ تصبح أية تهمة مثبتة حتى لو غابت الدلائل والبراهين المادية، والشهود، بحيث يوضع الجميع في خانة…؟.
إن الإصرار على فتح الصندوق الأسود في يوميات الناس، و”النبش” في قصصه بشيفرتها الاتهامية، ليس إلا إمعاناً في تأزيم الواقع الاجتماعي، وتخريب أية مبادرة تسهم في لملمة ما تبقى من الحياة الاجتماعية، ومحاولات تقويم السلوك وإعادته إلى سكة الانضباط، فهل نتعقل، أم نستمر في جلد المجتمع بسياط الاتهامات والفضائح الساقطة في فخ الشائعات؟!.
بشير فرزان