ضعف التغطيات فوّت فرصاً ضائعة.. ولا عزاء للتأمين الزراعي! اقتصاد الحرائق يبحث عن محافظ شركات التأمين.. فهل تلتفت إليه؟ ؟
إذا كان جوهر العمل التأميني قائماً على شراء الخطر، وتحقيق عوائد في حال عدم وقوعه، فإن القائمين على الشركات ومندوبي المبيعات لديها، هم أول من يجب أن يبحث عن الأخطار ويشتريها، وهنا نتحدث عن الفرص البيعية المتحققة والمفقودة بطبيعة الحال.. ومع كثرة الحرائق التي تلتهم الأسواق والممتلكات الخاصة، وتحيل المحاصيل الزراعية إلى رماد، فهل أنعشت مثل هذه المخاطر فرص التأمين ضد الحريق، وهل أسهمت في زيادة الأقساط، في موازاة تنبيه وجذب مؤمنين جدد يضافون إلى قاعدة عملائها..؟.. لنرَ..
المخاطر.. إلى تزايد
تزايدت في السنتين الأخيرتين الحرائق في البلاد على نحو غير مسبوق، وليس مهماً مسببات هذه الحرائق، طالما الحديث يدور حول خسائر كبيرة يتكبدها اقتصاد الأفراد والاقتصاد الوطني، ومن الأمثلة المؤلمة على هذه الحرائق.. الحريق الذي التهم قبل سنوات محال كثيرة في العصرونية، إحدى الأسواق الشهيرة وسط دمشق، ومؤخراً الحريق الذي أتى على عديد الطوابق في برج دمشق، وألحق أضراراً كبيرة في محال الاتصالات، كذلك حرائق متكررة اندلعت في بعض أسواق حلب وحمص وغيرها..
إلى ذلك، تشكل الحرائق التي اجتاحت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ولاسيما في المحافظات الشرقية، خطراً أشد وأكثر ضرراً لقطاع حيوي بحجم القطاع الزراعي، ولا تتوافر إحصاءات دقيقة عن المساحات المتضررة، ويكفي للدلالة على فداحة الخسائر أن المساحات المتضررة في أربع محافظات (حلب، حماة، الرقة، الحسكة) حتى منتصف الشهر الفائت، بلغت لمحصول الشعير 15800 هكتار، حجم الإنتاج الفائت منها على الاقتصاد الوطني 10345 طناً، بقيمة 1.3 مليار ليرة سورية، وللقمح 80 هكتاراً، و240 طناً، بقيمة 45 مليوناً.
ووفقاً لبعض المؤشرات التقديرية الصادرة عن مديريات الزراعة في غير محافظة، فإن أكثر من 90 بالمئة من الحرائق التي تندلع في الأراضي المزروعة، تلتهم النار المحصول كاملاً، وعادة لا يتوقف امتداد النيران إلا بوجود حائل طبيعي (طريق، أراضٍ غير مزروعة، مصادر مياه، ..)، كما تتفاوت مسببات هذه الحرائق بين الإهمال وأعقاب السجائر، وارتفاع درجات الحرارة، وسرعة توسع رقعة النيران نتيجة تقارب الحقول، ويفاقم من المشكلة بُعد الأراضي المحروقة عن مراكز المدن والإطفاء، وعدم وجود الآليات والمعدات اللازمة، والأفراد المدربين للتعاطي مع مثل هذه الحرائق.
فرص فائتة على التأمين
واقع الحال يشي بأن شركات التأمين لم تتحرك لاستغلال المخاطر الناجمة عن أضرار الحريق، بحيث تصنع منها فرصاً بيعية، ترفع من خلالها مؤشرات فرع تأمين الحريق، وفقاً لما يرى مدير الشركات في هيئة الإشراف على التأمين الدكتور رافد محمد، بدليل أن أغلب الممتلكات المتضررة غير مغطاة ببوالص تأمين، وهو ما يتضح بعد وقوع الحريق؛ ما يستدعي أن توسع إدارات التسويق والمبيعات في هذه الشركات أنشطتها، لتطول المنشآت والأسواق، يساعدها في ذلك تزايد القناعة لدى القائمين على هذه المنشآت بأهمية التأمين ضد الحريق كأحد الحلول العملية للحفاظ على استثماراتهم.
ويبدي المدير العام للمؤسسة العامة السورية للتأمين إياد زهراء تفاؤلاً حيال تحسن مؤشرات فرع الحريق، حيث حقق خلال النصف الأول من العام الجاري قفزة نوعية، قياساً مع الفترة ذاتها من العام الفائت، إذ نمت أقساطه بنسبة 155 بالمئة، وبقيمة 1.469 مليار ليرة سورية، وذلك ارتفاعاً من 944 مليوناً، عازياً هذا النمو إلى ارتفاع وتيرة النشاط الاقتصادي، وعودة الكثير من المنشآت الاقتصادية إلى العمل، مع تسجيل دخول منشآت جديدة في القطاعات المختلفة.
لا عزاء للتأمين الزراعي..!
لا تكمن معاناة المزارعين في تعرض محاصيلهم لمخاطر الحريق وحسب، بل في عدم وجود تأمين زراعي أصلاً، وذلك لعديد الأسباب التي يطول شرحها، أبرزها.. عدم تشجع شركات التأمين للخوض في هذا القطاع الكثير التذبذب سواء لجهة العوامل البيئية والمناخية المحيطة بالإنتاج الزراعي، أم ضعف ضوابط ومحددات العمل، أم ارتفاع المخاطر المرتبطة به، وهكذا ظل النشاط الزراعي، دون غيره من القطاعات، خارج مظلة العمل التأميني، بالرغم من أن ثمة خسائر هائلة تكبدها الاقتصاد الوطني جراء الأزمة، التي عصفت بمدخلات ومخرجات هذا القطاع، الذي يعد الأكثر تأثيراً في حياة السوريين، حيث يعمل فيه نحو 40 بالمئة منهم، وسبق أن ذكر تقرير صادر عن منظمة الزراعة والأغذية العالمية (فاو) أن التكلفة الإجمالية للأضرار والخسائر التي لحقت بقطاع الزراعة في سورية، خلال الفترة 2011 – 2016، بلغت ما لا يقل عن 16 مليار دولار. واللافت أيضاً أنه لا يوجد بند في أنشطة صندوق التخفيف من آثار الجفاف يغطي أضرار الحرائق، التي قد تصيب المحصول، وتؤدي في كثير من الأحيان لإفلاس المزارعين..!
تحسن بعد تراجع
وبحسب بيانات صادرة عن الهيئة، ظل فرع الحريق حتى عام 2010 أحد فروع التأمين النشطة، حيث كان حجمه بحدود 2.365 مليار ليرة، ثم نما في العالم التالي بنسبة ستة بالمئة، لتبدأ خلال الأعوام 2012 – 2016 رحلة التراجع وفق أحجام 2000- 1.121- 1.622- 1.358- 1.871 مليار ليرة على التوالي، ثم شكّل 2017 فارقاً نوعياً، ارتفع معه حجم هذا الفرع بنسبة 10 بالمئة، ليصل إلى 2.059 مليار، ومع 26 بالمئة من النمو في 2018، وصل إلى قرابة 2.6 مليار ليرة، وهو ما يعني نمواً متوازياً مع حالة التعافي والاستقرار، التي شهدتها البلاد في العامين الفائتين، أما على مستوى الحصة السوقية، فإن المؤسسة استحوذت على الحصة الأكبر، قياساً بحصص الشركات الخاصة، وهذا راجع لتراكم الخبرات الكبيرة لديها في هذا النشاط من جهة، ولتعاقد جهات القطاع العام معها بشكل حصري.
يبقى أن..
هناك ضعف في التغطيات التأمينية لأغلب الفروع في المجتمع، وما ضعف التأمين ضد الحريق إلا دليل واضح على ذلك، وهو ما يجب أن يشكل حافزاً لتنمية أعمال شركات التأمين، فمن واقع متابعتنا لهذا القطاع لسنوات خلت، فإن إحدى نقاط الضعف في أداء هذه الشركات، إنما تمثلت بتزاحمها على التأمين الإلزامي، بالنظر لكونه أسهل فروع التأمين، في حين أنها تستطيع أن تنوع وتوسع محافظها على نحو مختلف، فتسويق المستقبل -كما يقال- هو اقتناص فرص لا اقتسام حصص..
أحمد العمار