الخصخصة…”نعم” و”لا”..!
ما أن يشاع أن الحكومة تستعد لخصخصة شركة أو مؤسسة أو خدمة عامة حتى نرى الجهة المعنية تنفي بحزم: لا للخصخصة في سورية لأي قطاع حكومي..!
وقد تكرر هذا السيناريو مؤخراًَ بعد سريان إشاعة “خصخصة قطاع الكهرباء”..!
وكانت الإشاعة مقنعة لمن يريد أن يصدقها: زيادة ساعات التقنين وتطبيق البطاقة الذكية على استهلاك الكهرباء هو مقدمة وتبرير للخصخصة..!
وزير الكهرباء سارع إلى التوضيح والنفي بحزم وحسم: لا خصخصة ولا بطاقة ذكية..!
ولو رجعنا إلى الماضي البعيد لاكتشفنا أن مخاوف الناس وفي مقدمتهم اتحاد العمال من الخصخصة بدأت بعد صدور قانون الاستثمار في سورية عام 1991..!
ولم يتوقف الحديث عن الخصخصة ولاسيما بعد أن تجرّأ البعض وطالب بها علناً..!
ولكن اللافت أن ما من حكومة على مدى العقود الثلاثة الماضية إلا وجزمت: لا للخصخصة… لا لبيع القطاع العام..!
ترى ما هو الواقع الفعلي..؟
يمكن التعاطي مع موضوع الخصخصة في سورية بكلمتين: نعم.. ولا..!
نعم لخصخصة كل القطاعات الاقتصادية والخدمية.. ونعم لأنواع حديثة محددة من الخصخصة يتم تطبيقها منذ صدور قانون الاستثمار..!
ولا للخصخصة بمفهومها التقليدي، أي بيع منشآت وأصول القطاع العام..!
وقد أطلقت الحكومة السابقة في تسعينيات القرن الماضي بشكل رسمي وبقوانين “خصخصة القطاعات الحكومية” بإلغاء احتكارها من القطاع العام وفتح أبوابها للقطاع الخاص للاستثمار فيها، ولم يبقَ قطاع واحد كان حكراً على العام لم تسمح الحكومات السابقة للقطاع الخاص أن يستثمر به، بل وشجعته وقدمت له التسهيلات والإعفاءات الضريبية والجمركية .. إلخ..!
وإذا كان هناك مجالات لم يستثمر فيها القطاع الخاص فلأسباب تتعلق به لا بالجهات الحكومية..!
ومن هذه القطاعات الكهرباء، وقد أوضح وزير الكهرباء ما سبق وأوضحه وزراء سابقون منذ تسعينيات القرن الماضي: مسموح للقطاع الخاص الاستثمار بتوليد الكهرباء فقط، ويبيع ما ينتجه للدولة حصراً لتقوم هي بدورها ببيعه للمواطن ضمن سياسة الدعم المعتمدة من الحكومة..!
وقد استثمر القطاع الخاص بعد “خصخصة القطاعات” في قطاعات اقتصادية وصناعية متعددة، وأصبح منافساً فيها للقطاع العام..!
ولكن كل ذلك لا ينفي تطبيق “الخصخصة” بمفهومها الحديث؛ إذ يوجد عشرات الأنواع من الخصخصة لا تتضمن أي بيع لأصول القطاع العام الذي يبقى ملكاً للدولة.
ومن هذه الأنواع التشاركية أو طرح شركات للاستثمار “أي تأجيرها” للقطاع الخاص لمدد زمنية طويلة تصل إلى نصف قرن، كما حدث مؤخراً بالنسبة لشركة الأسمدة ولمرفأ طرطوس..!
بالمختصر المفيد.. الإجابة عن سؤال: هل من خصخصة في سورية..؟
تحتمل الـ”نعم” والـ”لا” معاً.. وكلتا الإجابتين صحيحة..!
علي عبود