أخبارصحيفة البعث

جنون ترامب هدفه الابتزاز

 

لا يستطيع المراقب للانسحابات الأمريكية المتكرّرة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، أن يقتنع بأن السبب الوحيد الذي يدفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ذلك هو السبب القريب الذي يعمد عادة إلى طرحه عقب كل انسحاب، فإثارة التوتر مع إيران في الخليج ليس هدفه فقط محاصرة إيران وفرض عقوبات عليها، وكذلك العمل على محاصرة فنزويلا بحرياً، وحتى الخروج مؤخراً من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وذلك أن الأمر لو كان على هذا النحو لما اضطرّت واشنطن إلى الدخول في جدل كبير مع الدول الكبرى في هذا العالم، كروسيا والصين حول هذه الأمور.
فواشنطن انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران، وتمكّنت من الضغط على أوروبا لمنعها من تغطية تبعات انسحابها من هذا الاتفاق، عبر العقوبات التي هدّدت بفرضها على الشركات الأوروبية لحرمانها من حصاد نتائج الاتفاق مع إيران استثمارياً وتجارياً، وعندما أعلنت انسحابها من معاهدة الصواريخ رمت الكرة في ملعب روسيا التي يتوجب عليها إقناع الصين بالانضمام إلى مثل هذه المعاهدة حتى تعود الولايات المتحدة إليها. ومَن يراقب التبعات المحتملة لتوتير الأجواء في تلك المناطق يجد أن التوتر يؤدّي تلقائياً إلى رفع أسعار الطاقة، فضلاً عن رفع تكاليف تأمين السفن والناقلات وارتفاع مخاطر الصادرات، والأهم من ذلك هو الضغط على الدول التي تمرّ تجارتها من هذه البحار، ودفعها إلى حماية سفنها وناقلاتها عبر مرافقتها لها، وهذا بالضبط ما تحدّث عنه ترامب عندما قال: إنه لا يستطيع أن يعمل شرطياً لحماية تجارة الآخرين في الخليج، وأراد البحار عامة.
إذاً، هناك توجّه أمريكي لبثّ شعور عام بأن الملاحة في أماكن معيّنة من هذا العالم لم تعُد آمنة، وعلى جميع الدول التي تتعامل تجارياً معها أن تدفع مقابل حماية سفنها أو أن تقوم بنفسها بمرافقتها، وذلك طبعاً سيرفع أسعار النفط والبضائع معاً.
وبالعودة إلى أزمة القراصنة التي افتعلتها واشنطن قبل نحو عشرين عاماً في الصومال، نجد أنها لم تتمكن من تحقيق الجدوى المطلوبة من السفن المارة في منطقة القرن الإفريقي، لذلك لابدّ من صناعة طريقة للجباية من نوع آخر، عبر سفنها وبوارجها المنتشرة في المنطقة التي يقع على عاتقها حماية السفن مقابل دفع ثمن الحماية، وهذا طبعاً جزء من الدفع مقابل الحماية الذي يتحدّث عنه ترامب.
بالمحصلة، يحاول ترامب أن يوظّف التوتر الذي يقوم بصناعته في أنحاء متفرقة من العالم، في توليد فرص عمل جديدة لقوّاته مدرّة للدخل من جهة، ومن جهة ثانية يسعى إلى الضغط على الصين التي أصبحت في المرتبة الأولى عالمياً من حيث التبادل التجاري، وبالتالي لا ينبغي النظر إلى الأمر فقط من زاوية محاصرة إيران أو فنزويلا، فربما كان خلق التوتر مع إيران بوابة لمحاصرة الصين تجارياً، ومحاصرة فنزويلا لإقصاء روسيا والصين عن أمريكا اللاتينية، لأن ترامب لا يملك الجرأة أصلاً على محاصرة الصين وروسيا بشكل علني.
طلال الزعبي