نكسة خطيرة «المعادل الثالث»!..
د. مهدي دخل الله
أعلن ترامب قبل أيام انسحاب بلاده من التزاماتها في إطار معاهدة «التخلص من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى» (1987) دافعاً العالم نحو سباق تسلح خطير لعله يثقل كاهل الميزانية الروسية التي ستضطر إلى تمويل إنتاج هذه الصواريخ..
لكن الأهم من ذلك هو الضغط الأمريكي على أوروبا وتركها دون غطاء لأن الصواريخ الروسية قصيرة ومتوسطة المدى لا تهدد الأرض الأمريكية وإنما الأرض الأوروبية (الناتو). وهناك دافع ثالث خلف القرار الأمريكي، ربما الأكثر أهمية، هو تعطيل التقدم الروسي الواضح في السباق مع أمريكا في مسألة «المعادل الثالث»(The Third Offset).
المعادل الثالث هو تطوير «السلاح الإلكتروني» أي الطائرات المسيرة الكترونياً و «القرصنة الإلكترونية» بمعنى الدخول الى أجهزة العدو واللعب بمحتوياتها. وقد سبق لبعض الدوائر في أمريكا أن اتهمت روسيا بإستخدام هذا السلاح غير المرئي دعماً لترامب في الإنتخابات الرئاسية.
ولقد كان هناك أمل كبير بأن يؤدي التطور اللاحق في «السلاح الإلكتروني» أي المعادل الثالث إلى إنهاء الحروب بشكل كامل، لأنه سيصبح من الصعب إرسال الأوامر إلى الأساطيل الكترونياً بسبب القرصنة التي قد تعيد صياغة هذه الأوامر. تصوروا مثلاً أن ترسل قيادة الأركان الأمريكية أمراً إلى سفينة في المتوسط من الأسطول السادس مع إحداثيات في سورية لضربها، فتتلقى السفينة إحداثيات في إسرائيل أو تركيا أو قبرص وتضربها تنفيذاً للأوامر..
كما يمكن إعادة توجيه الطائرات بدون طيار لتضرب هدفاً صديقاً وليس هدفاً للعدو. هذا كله كان من الممكن أن يؤدي إلى أن تصبح الحروب بلا معنى فتسلم البشرية بهذا التطور «العسكري».. إنها تناقضات التكنولوجيا المنفلتة من عقالها.
وماعلاقة معاهدة التخلص من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى بهذا؟؟..
هناك علاقة وطيدة.. أداة تفعيل المعادل الثالث الأساسية هي الأقمار الصناعية التي يتم عبرها نقل المعلومات وتسيير الطائرات بدون طيار وكل أشكال القرصنة الإلكترونية. واليوم سوف تعيد أمريكا وروسيا إنتاج هذه الصواريخ بما يهدد الأقمار الصناعية التي ستكون هدفاً سهلاً لهذه الصواريخ… وهذا يعني تعطيل «المعادل الثالث» والعودة الى المعادل الثاني ( الأسلحة الإستراتيجية) مع كل آلامه ومآسيه..
mahdidakhlala@gmail.com