أزمة السكن تعصف بالنظام السعودي.. والتذمر الشعبي يتصاعد
يستغرب المتنقل في الأحياء القديمة للمدن السعودية الكبرى كالرياض وجدة الوضع المزري الذي يعيش به المواطنون السعوديون الذين لا يعيرهم النظام أيّ اهتمام، ويغضّ الطرف عن جميع المشكلات الاجتماعية التي تتفاقم في أحيائهم من بطالة وعمليات سطو وانتشار للمخدّرات والتسوّل والدعارة وغير ذلك، وخاصة أن نسبة كبيرة منهم لا تزال تعيش في بيوت الصفيح قريباً من الوسط التجاري لهذه المدن، في الوقت الذي ينفق فيه هذا النظام عشرات المليارات على بناء القصور والمجمعات “الكانتونات” للأمريكيين في الضواحي الفاخرة، ويمنع المواطنين من الاقتراب من هذه المجمّعات، التي تنتشر فيها مظاهر البذخ والترف.
هذه المشكلات وغيرها الكثير، راكمت الأزمات الداخلية التي تعصف بالنظام السعودي في ظل تماديه بدعم الإرهاب في المنطقة واستمراره بالعدوان على الشعب اليمني منذ أكثر من أربع سنوات، إلى جانب مواصلة دفع الرِّشا للإدارة الأمريكية من أجل استمرار بقائه لتظهر ارتدادات كل ذلك على خزينته التي تئنّ تحت وطأة الأعباء والاستحقاقات.
وقد عاد إلى الواجهة الحديث عن أزمة السكن مجدّداً بعد أزمة الوقود، التي تم رفع أسعارها ثلاث مرات متتالية في بلد يعدّ من أكبر دول العالم المنتجة للنفط، حيث لا تزال المساكن أغلى ثمناً من قدرة الكثير من السعوديين الذين أصبح حلمهم بامتلاك منزل بعيد المنال في ظل ظروف غلاء المعيشة بسبب سياسات النظام السعودي التي أوصلت المواطنين والاقتصاد إلى انحدار كبير يصعب الخروج منه في المستقبل المنظور، ما دفع هذا النظام للجوء إلى سياسة الاقتراض.
وفي تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية تنقل فيه عن أحد السعوديين المستائين قوله: إن “نظام القروض يدمّر الطبقة الوسطى ويخنقنا”، داعياً إلى العودة إلى القروض من دون فائدة.
ويضيف، وهو أب لثلاثة أبناء، ويسكن مع عائلته في شقة مستأجرة في الرياض: إن السياسات الحالية في مجال السكن تسبّبت في تأخير حلم بناء منزله الخاص عند أطراف المدينة، مؤكداً أنه يعاني لتسديد القروض من راتبه الشهري في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
بدوره عبّر موظف حكومي انتظر سنوات للحصول على قرض من صندوق السكن عن غضبه، قائلاً: إن “الوضع الحالي يعني أنه لا يمكن إلا أن يستأجر مكاناً صغيراً بدل شراء منزل”، مضيفاً: “عندما تضطر ابنتي التي تبلغ من العمر ثماني سنوات لأن تبدّل ملابسها أمام إخوتها، فإنني أشعر بالخجل كوني لا أملك منزلاً أكبر”.
وحسب إحصاءات رسمية، فإن هناك نحو 500 ألف شخص على لائحة الانتظار للحصول على قرض دون فائدة، وتقول نجاح العتيبي المحللة في معهد متخصص في لندن: إن “هذا الأمر يحمل بالطبع خطر التسبّب باستياء عام”.
وتبرز هذه المسألة التحدّي الذي تواجهه سلطات النظام السعودي في محاولتها لفصل المواطنين عن السخاء الحكومي، في وقت يتوقع أن يبلغ عجز الموازنة العامة 35 مليار دولار في 2019، أي 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول المحللة في معهد أميركان انتربرايز كارين يونغ: “في السعودية مصدران للتوتر.. الأول يكمن في توفير مساكن بأسعار معقولة للأجيال الشابة التي تشعر بتداعيات تكاليف المعيشة المتزايدة وبانخفاض الدعم الحكومي لمصادر الطاقة وتناقص عدد الوظائف.. بينما يتمثل مصدر القلق الثاني في توسيع الخدمات المالية بهدف زيادة المنتجات الائتمانية مع أمل أن يؤدّي ذلك إلى تحفيز النمو الاستهلاكي”.
وبينما يطلق النظام السعودي وعوداً لمواطنيه بحل المشكلة عبر الإعلان عن سعيه لشراكة مع القطاع الخاص لتوفير مليارات الدولارات لبناء منازل بتكلفة منخفضة في السنوات المقبلة، تبقى نسبة من يمتلكون منازل في أكبر دولة منتجة للنفط في العالم 50 بالمئة فقط من السعوديين البالغ عددهم 20.7 مليون شخص.
ويتزايد الامتعاض لدى السعوديين من إنفاق النظام على مشاريع كبرى مثل منطقة نيوم شمال غرب المملكة التي تبلغ تكلفتها نحو 500 مليار دولار، بينما يعجز عدد كبير من المواطنين عن شراء منازل.
وتداول بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عبارة “أين الـ250 مليار ريال” التي تشير إلى 67 مليار دولار كان أعلن عنها ملك النظام السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز في 2011 لمصلحة وزارة الإسكان، فيما بدا محاولة للتعامل مع الاستياء الشعبي المتزايد ضد سياسات البذخ التي تمارسها العائلة الحاكمة في السعودية.