إنْ لــــــم تكـــــنْ مثلـــــي
نستطيع الحديث عن المعايير عموماً وعن حقيقتها خصوصاً. فكثيراً ما تكون أفعالنا مبنية على أساس المعرفة المتين، وهذا استدلال يقول إنّ معيار الحقيقة هو بالممارسة الفعالة بغض النظر عن متغيراتها في دائرة الشخوص والأماكن.
وفي الفن عموماً، قد تتشابه الأثواب الشكلية من شخوص كما قلنا سابقاً في إطار الصياغة الفكرية ومساحات الابتكار، ولكن تبقى مسألة العزف المنفرد داخل أسوار العمل الفني حالة خاصة مزدحمة بذاتية الفنان ورؤيته الخاصة.
وأما إذا وقع الحافر على الحافر في المحددات الشكلية، فلا أعتقد أن المحددات الفكرية قد تتطابق، وإنْ حصل الأمر، فهي اشتقاقات تتقاطع فيها الرؤى في وحدة وصفية ورموز متاحة للجميع.
إذن، لكل شخص الحق في اختيار مفرداته وتخصيبها، ولكن ما يحاول بعضهم فعله هو إلصاق تهمة العظمة بهم وبأعمالهم أيضاً، لا بل تسويق اتهامات من نوع آخر خارج إطار المناخ الثقافي السائد، في محاولة تشويهية وكأنّ الآخر يغرد خارج أسوار الزمن ومعادلاته. لا أدري من أعطاهم الحق في بلورة المفاهيم حسب رؤيتهم الخاصة، وتعميم تجاربهم على الآخرين قسراً.
نعم.. إنْ لم تكن مثلي فأنا ضدك، هو شعار قد طُرح سابقاً في محاولة واضحة لتسويق نظرة أحادية مؤطرة ضمن مفاهيم مقولبة ومحددة بحلقات أغلبها مفقود وتطرح الكثير من التساؤلات وإشارات التعجب والاستفهام معاً.
إذن، إن لم تكن مثلي فأنا ضدك، والقضية هي صراع أضداد، لا بل تمظهر بقبول الآخر على أساس أرضية التجربة العمرية وعمقها، وربما كانت المسألة بحكم العادة. إن لم تكن مثلي فأنا ضدك، وهنا، أستحضر قصة الكاتب الأمريكي (مارك توين) الذي كان مغرماً بالراحة، حتى إنه كان يمارس الكتابة والقراءة معاً وهو نائم في سريره، ونادراً ما كان يخرج من غرفة نومه، وذات يوم جاء أحد الصحفيين ليقابله، وعندما أخبرته زوجته بذلك، قال لها: دعيه يدخل، غير أن الزوجة اعترضت قائلة: هذا لا يليق، هل ستدعه يقف بينما أنت نائم في الفراش؟, فأجابها: عندك حق، هذا لا يليق، اطلبي من الخادمة أن تجهّز له فراشاً آخر.
رائد خليل