قراءة محضر الجلسة السابقة
مع العلم أن الأحزاب والحياة الحزبية في العالم ليست قديمة، وهي من معطيات عصر الحداثة، ولاتزال في أغلبها تعيش مخاضاً، وتجارب، وإعادة قراءة للتجارب، ومراحل إعادة تشكيل وتجديد، مع هذا كله، بدأ عدد من الأحزاب يتحدث بشجن عن ماضي العمل الحزبي، وعن الحياة الحزبية السابقة و”طقوسها”، وكأنه صار للأحزاب تراث ومعاصرة، بالرغم من سقوط بعضها، واتجاه بعضها الآخر نحو الهاوية، مع تمسك غير قليل منها بـ” البقاء على قيد الحياة + النجاة” (Survive).
في واقع كالذي نعيش فيه فإن الأحزاب الوطنية والتقدمية التي نشأت في معمعان حركة التحرر والاستقلال الوطني العربية، الراحل منها والباقي، والذي يتأهّب للرحيل، هذه الأحزاب أثبتت السنون ضرورتها التاريخية والاجتماعية، وقيمة دورها وحضورها وكوادرها، ونتائجها أيضاً.
في تلك الأيام من تاريخنا المعاصر، واجهت هذه الأحزاب تحديات لا تختلف كثيراً عن التحديات الراهنة جرّاء الربيع الصهيوني: مشروع صهيوني يقتات على دعم الغرب والرجعية العربية، وعلى أعراض التخلف عن متطلبات الحياة الوطنية والتقدمية، وقد أُضيفت اليوم أبعاد في المواجهة أشد مرارة، فبعد المعاناة من التخلف الاجتماعي الذي كنا نتحدث عنه في القرن الماضي نرى أن وطأة ذلك التخلف أهون بكثير اليوم من “التطرّف” الذي يتشعّب كثيراً الحديث المؤلم عن أسبابه ومظاهره ونتائجه.
وعلى أيّة حال، فلا ضير في الحديث عن الماضي الحزبي، لأن عواقب الجنوح نحو التحديث والتجديد، و.. للأسف، لم تحقق النتائج المنشودة – حتى تاريخه – هذا إن لم يكن هناك نتائج عكسية لا تطال الحياة الحزبية وحدها، بل السياسية والاجتماعية والفكرية، ما يتطلب جرأة في التشخيص والعلاج مروراً بالحاجة إلى الجراحة فالدواء.
لا شك في أن لكل حزب تجربته الخاصة من حيث الجوانب التنظيمية والفكرية، ومن حيث البنى الاجتماعية، ووسائل العمل، والأهداف المرحلية والاستراتيجية… إلخ. إلا أن لحزب البعث العربي الاشتراكي تجربته المتميزة، والتي كانت ولاتزال دوائر الاستشراق، ومراكز الأبحاث والدراسات في العالم، وفي الغرب تحديداً توليها اهتماماً خاصاً نظراً إلى كونه حاملاً أساسياً للمشروع الوطني والعروبي والتقدمي في هذه المنطقة الحساسة من العالم، حاملاً يكاد يكون وحيداً من الباقين في نُسق مضى، وحيداً يستمد مشروعيته ومشروعه ويجددهما من مبادئه وأهدافه المنطلقة – إنسانياً – على الدوام من مصالح الشعب وقضايا الوطن والأمة… إلخ.
والبعثيون اليوم في قطرنا يبحثون بجد ودأب عن تفعيل دور الحزب وتجديده في الحياة الوطنية والقومية العربية، وعن كافة الوسائل اللازمة للانتصار في هذا المعترك التاريخي والمصيري الصعب مهما كلّف ذلك من عمل وتضحيات، هذا واضح من الإجراءات العديدة التي تتابع تنفيذها قيادة الحزب، ولعل من أهمها ما ورد في حديث الرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد في افتتاح أعمال اجتماع اللجنة المركزية للحزب في 7/10/2018… وصولاً إلى البدء اليوم بانتخاب كوادر المؤسسات الحزبية.
في هذا السياق، تدور بين كوادر الحزب – قديمها وجديدها – أحاديث جانبية، وشجون طيبة، هي بأهمية المؤسساتية، لأن في الحزب مركزية، وديمقراطية مركزية تجنح نحو اللا مركزية – على حد تعبير الرفيق الأمين العام في حديثه مؤخراً أمام الرفاق الشباب -، أي ما يشبه ما هو قائم بين الرأي العام والمؤسساتية الحزبية. هذه الأحاديث تستحق الاهتمام لأنها نبض الشارع الوطني الذي يزداد تطلعه اليوم نحو دور للحزب، بعضه يقول: … كالماضي؟!
وعلى سبيل المثال فإن رصد جزئية وتخيّرها في هذا السياق قد يكون مثالاً جيداً قياساً على صدى ما نُشر سابقاً في هذه الزاوية تحت عنوان: “معضلة الاجتماع الحزبي”. هذه المعضلة التي لم ينته الحديث الواعد فيها حتى اليوم، ومما فيها مسألة: قراءة محضر الجلسة السابقة.
يرى عدد كبير من الرفاق أن الذي كان سائداً قبل قرار قيادة الحزب رقم 63/31 لعام 2005، وتم تجاوزه بهذا القرار لم يؤدِّ إلى النتائج المرجوّة من ذلك القرار الذي عدّ محضر الجلسة السابقة، وقراءته، والتعقيب عليه، أو الاعتراض أو: ثبُت ولم يُعقّب عليه. كل هذا لم يعد ضرورة، فانطلق القرار من تفويض أمين المؤسسة الحزبية بوضع جدول أعمال الاجتماع الحزبي وفق الأولويات ولا سيما الاجتماعية والثقافية؟!.
الآن، هناك كثير ممن يرى أن قراءة محضر الجلسة السابقة والتعقيب عليه هي:
– تعزيز للعمل الحزبي على ضوء متابعة ما نُفّذ وما لم ينفّذ.
– هذه القراءة والمناقشة هي رديف فاعل لتتبع خطط العمل، وإقصاء لـ: سين، وسوف.. إلخ.
– هي نوع من الطقوس الجميلة والذاكرة النضالية لما يُطرح في الاجتماعات الحزبية في مختلف المستويات والمؤسسات، والمحضر سجّل لتجربة غنية.
– محضر الجلسة نوع من الأدبيّات الراسخة الذي أحرج بوثوقيّته مثلاً نزوع بعض الرفاق في مرحلة مضت إلى كتابة مذكرات شخصية تطال مهامهم الحزبية… فكانت محاضر الجلسات حكماً فيصلاً. والحبل على الجرار من تطاول الخونة المأجورين ومن كذبهم.
– الاستحقاقات الحزبية القادمة ومنها الانتخابات ستؤكد حاجة المؤسسة الحزبية إلى وثوقية محضر الجلسة.
– المحضر وقراءة المحضر ومناقشته هو طريق إلى القرار المتوازن، وإلى ضبط العمل الحزبي، ولننظر بعد 15 عاماً إلى القرار السابق، فما النتيجة؟!، فقد يجد بعضنا أنه كان تطويراً لمجرد التطوير، فتم التخلي عن تلك القراءة مقابل: لا شيء.
اليوم، تزداد القناعة بأن الأحزاب الوطنية بحاجة إلى إحياء الوظيفة الضبطية في عملها “تنظيماً وفكراً” بقدر حاجتها – أو أكثر – إلى إحياء الوظيفة التكاملية في عملها “اجتماعياً وسياسياً”. والبعض يرى أن هذه الوظيفة الضبطية اليوم التي تأتي قراءة محضر الجلسة السابقة في سياقها حاجة ملحّة، ومتكاملة مع إعادة الفاعلية إلى حياة الحزب وعمله وهي نوع من المأسسة التي لا تحتاجها الأحزاب وحدها بل مؤسسات الحكومة والمنظمات والنقابات.
والواقع الصعب الذي نعيش يؤكد أن هذا ليس عودة إلى الخلف ولمن يرى ذلك: إنه حوار.
د. عبد اللطيف عمران