العيد.. معانٍ وقيم نبيلة
عيد الأضحى يمثّل تعانقاً لأسمى المفاهيم والقيم التي تدرّج عليها الإنسان منذ نشأته الأولى، فقد كانت الجماعات البشرية تحرصُ في القديم على تقديم الأضاحي البشرية للتعبير -حسب اعتقادهم الخاطئ- عن الطاعة والامتنان لله، الذي أوحى لأنبيائه أنه لا يحتاج هذه الأضاحي، وتوعد بالويل لمن يخرق حرمة الدم البشري، والذي للأسف يسفك اليوم في وطننا العربي باسم طاعة الله. ويتابع معتصم محمد: علينا الاتعاظ مما سبق، وإبداء المحبة لبعضنا، وجعل الإنسانية فوق كل شيء في علاقاتنا الدنيوية، واستغلال هذه المناسبة للتمثّل بجميع القيم الأخلاقية الإنسانية، من الكرم، والتسامح، والتي تتماشى مع العقلانية والمكانة التي تمّ تكريم الإنسان بها على مرّ العصور، وليتعاضد مع غيره لتحقيق التقدم في شتى المجالات الحضارية، والابتعاد عن التخريب والدمار اللذين لا مبرّر لهما سوى غياب المنطق.
فرصة للراحة
العيد جميل بعطلته الطويلة التي تمكّن الإنسان من التوقف عن عمله والرسو على شواطئ راحة البال، والجلوس مع الأسرة، والوقوف على حال أفرادها، وتبادل الأحاديث معهم بعد شهور من الكد، حيث يفترش أفراد الأسرة المنزل مكتظين كما تفترش الزهور الحدائق الغناء، التي يفوح منها شذا الضحكات، والمسامرة، والألفة، وهو فرصة لصفاء الذهن من الضغوطات، وسكون شحناته السلبية التي لطالما أثقلت الألباب، وتعزيز العلاقات وصفاء الأفئدة، وإزالة أسباب القطيعة مع الأقارب، والأصدقاء.
وفق ما أكده إياد حسن، واستبدالها بنسيج دافئ من التفاهم، والتماس الأعذار بكل كرم وتواضع يبهران كل متربص شامت، فلا بد من استغلال هذا الوقت أجمل استغلال في صلة الرحم، ومساعدة الفقراء قدر الإمكان، كما يقول المثل اللبناني”فقير على فقير بيعيّد”، وإن كانت المواصلات صعبة فهناك وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تنقل التهاني بين الجميع بلمح البصر، وترفرف سلاماتها في حنايا المسافات كأسراب الفراشات الملونة التي تبهي سماء الصيف، وتزخرف إخضرار حقول الربيع، لكن تبقى التهاني المباشرة التي أخذت بالتضاؤل هي الأجمل، فالقلب لا ينبض بعيداً عن أوردته.
وأبدى إياد حسن امتنانه لكل من منعه عمله من المشاركة في أفراح العيد مع أسرته وأحبائه، وخاصة سائقي سيارات الإسعاف التي باتت تنتشر في ساحات العيد للسهر على سلامة الأطفال خلال لعبهم، فمجرد وجود هذه السيارات يجعل المكان يتدفق بالحنان، وحتى إن لم يرافق الأهل أبناءهم هناك من يحرسهم، ويحرص عليهم دون انتظار الشكر من أحد.
لمن الأضاحي؟
لو نظرنا إلى حال أغلبية من يقدّمون الأضاحي في هذا العيد سنجدهم من التّجار والأغنياء.
يقول نورس السعيد: ولكن نتساءل هنا كيف يقدّمون الأضاحي إذا لم تقترن بعمل الخير، والنوايا السليمة؟ بعد أن جنى غالبيتهم أرباحاً أتت في معظمها من استغلال تعب وشقاء غيرهم، نعم لقد باتت أرباحهم تشبه الربى الفاحش، وتبتعد عن مبادئ وأخلاقيات التجارة، وهاهي ذي قوى المواطنين الشرائية خائرة، وأسواق العيد خاوية إلا من بعض الأثرياء الذين ازداد ثراؤهم، في حين يجلس الفقراء في لحظات من الذهول بعد عجزهم عن الاحتفال، وتحقيق السعادة لأنفسهم ولو بأبسط الأشكال، لا يواسيهم سوى بؤسهم الآخذ بالازدياد، والسائر نحو دروب يأس لن يوقفها إلا شعور الإنسان بأخيه الإنسان.
بعد طول غياب
ياسر حمدان أكد أنه يشعر بالسعادة العارمة بعد أن تمكّن هذا العيد من تذوق طعم العودة إلى حيّه الذي هجره من سنوات، وفوجئ بضحكات الأطفال وأصوات الحياة تغمر المكان، وتتدفق منها ينابيع النور بعد ليل طويل مظلم، والدفء يغمر القلوب بعد طول قطيعة، وانتهاء دوامة الأحزان، فلا عيد بوجود الخوف، ولا فرح بغياب الألفة. وتمنى حمدان أن يغمر العيد القادم جميع مناطق القطر التي مازال الجيش العربي السوري يناضل لبسط الأمان في ربوعها، وإعادة أهازيج الفرح إليها مهما كان الثمن غالياً، فالأضحى علمنا التضحية في سبيل الغير، وتحقيق القيم السامية والكريمة دون انتظار المقابل، كما تمنى في العيد القادم سرعة دوران عجلة إعادة الإعمار كي تمسح أي أثر من صور الحطام، حتى لا يستقر منها أية ذرة في ذاكرتنا الباحثة عن الفرح بعد طول شقاء.
بشار محي الدين المحمد