الواقع الاقتصادي سلبه الكثير من طقوسه العيد في “جبل العرب”.. محطة للتواصل الاجتماعي وتبادل رسائل المحبة
تستذكر أم شادي تماماً قصيدة المتنبي التي وصف عبر أبياتها العشرة الأولى نفسه التي امتلأت بالهموم والأحزان والكآبة وهو يستقبل العيد فقال: عيد بأي حال عدت يا عيد.. بما مضى أم بأمر فيك تجديد؟.. وهي تسأل أيضاً: العيد بماذا عاد عليها، هل بالهموم والأحزان التي تعوّدت عليها منذ ثماني سنوات، أم بشيء آخر جديد يغير حالتها السيئة التي تعيشها؟.
أم شادي استحضرت بعضاً مما توفر لديها من طحين ومربيات لصنع حلوى العيد التي لا مفر منها كإحدى طقوسه التي اعتاد عليها أبناء السويداء في يوميات العيد، ففي “جبل العرب” لعيد الأضحى المبارك طقوس ومراسم تميز هذا العيد لتجعله أجمل أيام السنة، وللأيام العشرة التي تسبق العيد معان جميلة لدى الأهل، لأنها أيام مباركة يكثر فيها التسبيح والحمد للخالق، إلى جانب توطيد صلات المحبة والتراحم التي ترتسم من خلال نشاط الهيئات الروحية والخيرية في المحافظة.
تعتبر العيدية، وهي هدية نقدية أو مادية تقدم للأقارب من النساء والأولاد، طقساً من طقوس العيد في جبل العرب، وإن كان العوز جعل الكثيرين يتجاهلون العيدية، أو يخفضونها لتصبح هدية رمزية، وانقلب العيد من بهجة إلى عبء لدى الكثيرين، فالفقر اجتاح الكثير من الأسر وسط غلاء الأسعار الذي تضاعف 10 أمثال ما كان قبل الأزمة لتصبح مشتريات العيد من ملابس وحلويات وألعاب هماً كبيراً لرب الأسرة، فراتبه بالكاد يكفيه لضروريات المعيشة فقط، ويكتفي البعض الآن بالمعايدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن كانت لمة الأهل ضرورة من ضروريات العيد.
هدايا رمزية
طبعاً في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها المواطنون لا يمكن فصل بهجة العيد عن الواقع الاقتصادي الذي ينعكس بشكل كبيرعلى تنفيذ جزء كبير من طقوسه، خاصة تلك المتعلقة بشراء الألبسة والحلويات، وفي ظل ارتفاع الأسعار الجنوني الذي تشهده الأسواق بشكل يجعل قائمة المشتريات تقتصر على الهدايا الرمزية، أو الحلويات الرئيسية بعيداً عن مظاهر البذخ والتفنن في شكل وأصناف طاولات الضيافة التي اعتاد أبناء المحافظة على تحضيرها استقبالاً “للمعيدين”.
مروان، وهو صاحب سوبر ماركت، حرص على تأمين تشكيلة واسعة من أصناف الحلويات التي يجد أسعارها مقبولة، فهي رخيصة وتلبي حاجة شريحة واسعة من أبناء المجتمع، مع حرصه أيضاً على تأمين أصناف أكثر جودة للراغبين في ذلك، يقول: حرصت هذا العام على تأمين تشكيلة واسعة من الحلويات، أهمها أصناف “الراحة” التي تشكّل ركناً أساسياً من أركان ضيافة العيد، حيث تعتبر “سندويشة البسكويت والراحة” إحدى أهم الضيافات التي تقدم للزائرين، ويتابع مروان قائلاً: إنه وضع أرباحاً بسيطة لتكون لعدد كبير من المواطنين القدرة على الشراء، حيث نلاحظ أن القوة الشرائية قليلة.
وفي جولة على أسواق السويداء نلاحظ حالة اكتظاظ من قبل المواطنين جاؤوا لجس نبض الأسعار فقط، والبعض الآخر لإلقاء نظرة شوق لتلك الأصناف المعروضة، كما يقول سامي الذي بيّن أن شراء حاجات العيد يحتاج إلى ميزانية كبيرة تفوق دخل المواطن، وبالتالي يقوم المواطنون بجولة على الأسواق لإلقاء نظرة وداع على تلك الأصناف حتى “يفرجها ربك”، قالها بابتسامة شاحبة تعبّر عن حجم الغصة الكبيرة التي يعيشها المواطن في أيام العيد.
طبعاً قد يكون ارتفاع الأسعار، وجشع التجار، وضعف الرقابة أحد مبررات عدم الشراء من قبل الكثير من المواطنين، أو شماعة يمكن تعليق آلامهم عليها، وبوابة “لفشة خلق”.
أي تغيير
مدير حماية المستهلك في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك عاصف حيدر بيّن أن جميع المواد متوفرة ولم يطرأ أي تغيير على أسعار الخضار والفواكه، أما بالنسبة للألبسة فأضاف حيدر: نقوم بسحب عينات منها لمطابقة التكلفة والأسعار، ونقوم بضبط المحال المخالفة بالأسعار، وأي محل مخالفته جسيمة يتم إغلاقه، وأكد حيدر عدم التهاون نهائياً مع المواد غير المطابقة للمواصفات التي لا توجد عليها أية بيانات تعرّف عن ماهيتها، هذا الموضوع خط أحمر، المواد يجب أن تحمل بطاقة بيان تعرّف عنها حرصاً على سلامة المستهلك، مؤكداً أنه تم تخصيص دوريات طيلة أيام العيد للرقابة على كافة الفعاليات التجارية، والالتزام بكل الشروط والقوانين الصادرة.
نشاط اجتماعي
مع قدوم عيد الأضحى المبارك شهدت محافظة السويداء أنشطة متنوعة تصب في مجال رعاية الأسرة، وتجسيد خصال الخير بين شرائح المجتمع، لترى مساعدات وهدايا وأنشطة لجمعيات خيرية كبيرة، إلى جانب جمع تبرعات كانت من نصيب الأرامل والأطفال، وأسر تعففت عن طلب المساعدة ليصلها العون من أهلها دون طلب.
عضو المكتب التنفيذي في المحافظة توفيق غانم أشار إلى الحراك الاجتماعي الذي يشهده العيد، والذي يهدف إلى ترميم جراح أبناء المجتمع عبر تقديم المعونات العينية والنقدية، حيث يشكّل العيد محطة للبسمة والراحة والاطمئنان وجمع الأقارب، ويعزز أواصر المحبة، ولكنه لايزال مثقلاً بهموم الوطن وأزمته، ولكن من خلال المجتمع الأهلي والجمعيات الخيرية نجد أن هناك حراكاً اجتماعياً كبيراً لترميم الجراح، مشيراً الى محاولات التجار توفير المواد بأسعار مقبولة، وهناك حراك ونشاط داخل الأسواق نلاحظه يدل على رغبة المواطنين بعيش أجواء العيد، وحول معاني العيد يقول غانم: هي أيام مباركة باركها الله، ومنّ على عباده بالعطاء والنعم، وفي هذه الأيام نستذكر قيم الخير والمحبة التي نؤتمن جميعاً عليها، وسجايا كريمة تقدس الصدق والمحبة والتآخي بين أفراد المجتمع، والسعي لصلاح أفراده ليبقى الخير من صفاته، فكل منا مسؤول عن نشر هذه الخصال وتجسيدها لنعطي لمن حولنا المثل والقدوة، وبشكل عام فإن العيد كيوم مبارك له معان كبيرة بالنسبة لنا في جبل العرب، وللأيام العشرة التي تسبق العيد أهمية لدى رجال الدين، وأبناء المجتمع بشكل عام، حيث تتم زيارة الأماكن الدينية من مختلف الأعمار، وتأخذ هذه الفترة ملامح تختلف عن باقي أيام السنة، وتظهر بشكل واضح أنشطة اجتماعية هدفها الإكثار من الإحسان للرأفة بالمحتاج، وتقديم العون لمن يحتاجه من قبل أبناء المحافظة الميسورين، وقال غانم: إن العيد بمفهومنا هو عيد الأهل واللقاء، وتبادل التهاني والأفراح، وتناسي الهموم، ويلعب دوراً في حياة الإنسان والمجتمع عبر التواصل الاجتماعي والوطني، وهي حالة نحن بأمس الحاجة لها هذه الأيام، خاصة أن حالة من التفاؤل والأمل بدأت تبرز بالخروج من الأزمة.
نشاط خيري
الهيئات والجمعيات الخيرية نفذت أنشطة متنوعة لتكون ورشة العمل مستمرة لتوزيع كل ما جادت به أيدي المحسنين، وفي هذا المجال كان نشاط الجمعيات الخيرية واضحاً خلال هذه الفترة، حيث يمتد على ساحة المحافظة عدد كبير من الجمعيات، وقد لا تخلو قرية من جمعية تعنى بأمور الأسر المحتاجة، وهي ظاهرة عملت على تجسيدها مجموعات كبيرة من الشباب لتكون تعبيراً عن المحبة والتراحم كي لا يكون العيد فقط المناسبة الوحيدة لنشر قيم العطاء والخير، ومن هذه الجمعيات جمعية مفعلة التي حدثنا رئيسها محمد العمار بقوله: بمقياس السنوات جمعيتنا حديثة العهد هدفها تقديم العون لأهالي قريتنا، وقد حرصنا على لقاء كل شرائح المجتمع، والتعاون مع لجنة الوقف في هذه القرية لنقدم المساعدة ضمن المستطاع، وبالنسبة لهذه الفترة فقد حصدت الجمعية تبرعات جيدة كلها مقدمة من أبناء القرية الميسورين.
منغصات وآمال
رغم كل المنغصات والآلام التي تثقل كاهل المواطن والمجتمع، إلا أن الإصرار على التمسك بالأمل هو سيد الموقف في التعامل مع يوميات العيد التي يجدها كثيرون بوابة التخلص من الهموم، والعبور نحو أيام أكثر سعادة وراحة بال، وهذه الحال تبرز واضحة خلال أيام العيد عبر الدعاء المتبادل بين أبناء المجتمع بأيام قادمة تكون أفضل وأهدأ بالاً.
رفعت الديك