“سحر القدس بين الحروب والأسفار” .. في مواجهة التشويه!
“بيت المقدس في غاية الإحكام والاتقان، جميعه بالأحجار الفص النحيت، وسقفه معقودة ليس بناية لبن، ولا في سقفه خشب، أما رؤية بيت المقدس من بعد فمن العجائب في نور أبنيتها”.
هذا الوصف الذي خطّه العالم العليمي شغل حيزاً من صفحات كتاب”سحر القدس بين الحروب والأسفار” للكاتبة نجلاء الخضراء، وحمل رسالتها بالدفاع عن تاريخ القدس والتراث الفلسطيني في وجه محاولات التشويه والتخريب والتدمير، اعتمدت على التوثيق بالسرد التاريخي، إلا أن السمة المميزة هي التوثيق البصري بعرض الكثير من لوحات المستشرقين الملونة إضافة إلى الصور التوثيقية للمعالم.
قلعة القدس
بدأت الكاتبة من معالم القدس من المسجد الأقصى الذي يقع في الزاوية الجنوبية الشرقية للعاصمة الفلسطينية القدس، وقد بُني على شكل شبه منحرف، له خمسة عشر باباً، عشرة مفتوحة وأربع مآذن على أربعة أبواب، وفيه أربع عشرة قبة وأهم المباني داخل السور المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة، وتابعت عن أعلام الأقصى مثل حائط البراق وقبة الصخرة وجامع النساء.
ومن المسجد الأقصى إلى كنيسة القيامة التي تُعرف بكنيسة القبر المقدس في البلدة القديمة في القدس الشريف في فلسطين المحتلة، حيث تتميز بزخرفتها الجميلة ونقوشها ورخامها الملون وصورها التي تزين جدرانها. وتطرقت إلى قلعة القدس وتعد ملتقى بين بلدة القدس القديمة والمدينة الحديثة التي امتدت خارج الأسوار، والقلعة بشكلها اليوم هي بناء مملوكي للناصر محمد بن قلاوون بإضافات وترميمات عثمانية عديدة.
أول صلاة
ثم انتقلت الكاتبة إلى السرد التاريخي فأوضحت أهمية موقعها الجغرافي كونها على الساحل المفتوح أمام الشعوب الأوروبية القديمة كاليونان والرومان وهي صلة الوصل بين حضارة الرافدين وسورية وحضارة وادي النيل، فهي مركز التقاء أبناء الشعوب القديمة، فدوّنت أهم الهجرات القديمة إلى القدس وأولها التي تمت في الألف الثالث قبل الميلاد هجرة اليبوسيين، ثم هجرة الكنعانيين، وهجرة إبراهيم الخليل من طريق الفرات الأيمن من أور إلى حرّان وهي الطريق التي تسلكها القوافل، ونوّهت الكاتبة إلى أنه لم يدخل غازياً أو محارباً، بل دخل مهاجراً وذلك حسب القرآن الكريم والتوراة والمدونات التاريخية والأثرية، وتابعت عن الحملات اليهودية والبابلية والفارسية الأخمينية وحملة الرومان وحملة الفرس الساسان وصولاً إلى الحملة الإسلامية الفاتحة، إذ حمل المسلمون رسالة الإسلام وكانت فلسطين أول البلاد التي تطلع إليها المسلمون في الوقت الذي كانت فيه تحت حكم الدولة البيزنطية، وبدأت في عهد الرسول محمد (ص) حينما كتب إلى حكام فلسطين ودعاهم للإسلام وجهز جيشاً في السنة الثامنة للهجرة 629م، وتابعت الحملة طريقها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي دخل المدينة وتوجه إلى كنيسة القيامة وتابع نحو المسجد الأقصى وكانت أول صلاة للمسلمين، وسجل التاريخ أنه أرحم فاتح للقدس.
كما توقفت الكاتبة عند تفاصيل حملة صلاح الدين الأيوبي التحريرية ومواجهته الغزاة الصليبيين، ووصفت معالم القدس من خلال عيون الرحالة العرب إذ صوّر ابن حوقل بكلماته المسجد الأقصى وتوقف عند القبة”قبة عالية مستديرة الرأس، قد غشيت بالرصاص الغليظ السميك، وارتفاع هذه الصخرة من الأرض إلى صدر القائم وطولها وعرضها متقارب، وليس ببيت المقدس ماء جار سوى عيون لاتتسع للزروع”، وتغنى بقبة الصخرة كل من رآها من الرحالة العرب، كما تطرق “أبو الحسن الهروي” إلى عين سلوان”ماؤها مثل ماء زمزم وهي تخرج من تحت قبة الصخرة”، وتطرق إلى ذكر الكنائس مثل كنيسة اليعاقبة أو السامريين والتي أقيمت فوق بئر على الطريق بين القدس والجليل شرق نابلس.
المسيسون والموضوعيون
المنعطف الهام الذي أوردته الكاتبة هو التمييز بين موقف المستشرقين الذين سحروا بعظمة الحضارة الإسلامية بين المستشرقين المسيسين والموضوعيين، إذ نقل الموضوعيون واقع القدس كما هو بكل ما يحمله من فنون وثقافة وحياة اجتماعية إضافة إلى جمال طبيعتها مثل الرحالة الفرنسي أركوبلي الذي زار القدس عام 700م ووصف أشجار الزيتون، في حين عمل المستشرقون المسيسون على نشر أفكار معينة في دول العالم، أولها بأنه لا توجد أية قدسية لبيت المقدس في الإسلام قبل الخلافة الأموية، وتشتيت أفكار حادثة الإسراء والمعراج مثل بنيامين التودلي الإسباني الذي حاول أن يثبت أصول اليهود في القدس، بوسائل عدة من خلال البعثات وتمويلها وتأليف الكتب ودور المجلات والاشتراك في الجامعة العلمية الرسمية في العالم الإسلامي، لتصل الكاتبة بأنهم عملوا على محاربة اللغة العربية والتراث العربي، لتصل إلى أن المستشرقين المسيسين آمنوا بأن ضربة الفكر والكلمة كلما كانت أرق غلفت الحقائق بغلاف قاتم، وتختصر رسالتهم بربط التأثيرات اليهودية بالقدس وإظهارها على أنها بداية هذه المدينة المقدسة.
وتوازت ظاهرة التصوير مع ظاهرة الكتابة والتدوين، فحملت لوحاتهم المضمون ذاته، وكانت أغلب المواد التصويرية رسوماً حتى القرن الثامن عشر، كماعرضت الكثير من اللوحات التي عبّرت عن العمران وتوثيق الأحداث التاريخية مثل لوحة نابليون بين المرضى الفلسطينيين، وحظيت المرأة باهتماماتهم فجسد لوليم كلارك المرأة العربية بزيها وجلستها، وبقيت أجمل اللوحات للقدس.
ملده شويكاني