فورد الغاضب من أوباما وترامب!
علي عبود
يقع الكثير من المحلّلين في فخ السفير الأمريكي السابق في سورية روبرت فورد، مع أن الرجل مكشوف جداً، ليس لأنه من المحرّضين حتى الآن على تدمير الدولة السورية فقط، بل لكونه كاذباً ومخادعاً من الطراز الأول، ولا يتردّد معظم المحلّلين في الاستشهاد بأقوال فورد، بل يصفونها بنصائح خبير بصناعة القرار في أمريكا، وهذا أمر غريب وعجيب أن تؤخذ أقوال كاذب ومخادع قاد لمدة طويلة المعارضة المتعاونة مع الأمريكي على السوري. وتوحي مقالات فورد حيناً وردّه على تساؤلات الإعلام “العربي” حيناً آخر وكأنّه يحرض “المعارضة السورية” ضد إدارة ترامب حالياً مثلما كان يحرضهم ضد إدارة أوباما.. ترى ما خلفيات تصريحات فورد؟!.
لم يتوقف السفير الأمريكي السابق فورد خلال السنوات القليلة الماضية عن تقديم نصائح مجانية للمعارضة المسلحة “أي الإرهابيين” وللفصائل الانفصالية المتعاونة مع بلاده، والتي تكاد تشبه أحياناً الأمر أو الزجر: أمريكا ستتخلى عنكم!!. لكن لو تمعنا في شخصية الرجل لاكتشفنا وكأنّه يُحدّث نفسه أكثر مما يتحدث إلى المراهنين على تدخل أمريكي مباشر ضد “النظام”: أمريكا تخلّت عني ولم تأخذ بنصائحي!!. ويجزم فورد في مقالة له مؤخراً: لا تنتظروا جديداً من أمريكا!، وهذا يعني أن فورد الذي تلقى خيبة من ردة فعل إدارة أوباما على الأحداث في سورية كان يراهن على خليفتها إدارة ترامب، ليكتشف سريعاً أن هناك قراراً في الحكومة الأمريكية العميقة: أمريكا لن تتدخل عسكرياً في سورية!.
وبسبب هذه المواقف التي تناقض “نصائح” أو مقترحات فورد، سواء لإدارة أوباما أو ترامب، فإنه يقوم بتحريض “المعارضة” لفكّ تعاونها مع إدارة بلاده، لا حباً بها وإنما كنوع من الانتقام أو إحراج صنّاع القرار في أمريكا، أو ربما لدفعهم لإثبات العكس من خلال تغيير سياساتهم!.
يزعم فورد في مقالته الأخيرة في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية بأن التدخل ضد دولة أخرى يحتاج إلى موافقة مجلس الأمن، إن لم يكن التدخل رداً على اعتداء مباشر، مشيراً إلى أن الشرطين غير متوافرين، فسورية لم تهاجم الولايات المتحدة، ومجلس الأمن لن يصدر ذلك القرار!. ويوضح فورد أنه “في حال شرعت القوات الجوية الأميركية في التحليق فوق إدلب، فسيكون هناك احتمال حقيقي للقتال بين الطائرات الحربية الروسية والأميركية”، وقالها بمرارة ممزوجة بالغضب الدفين: الحقيقة أنه لا أحد في واشنطن على استعداد للمخاطرة بحرب عالمية ثالثة، بسبب سورية!!. لا يحتاج أي محلّل إلى اكتشاف أن فورد كاذب ومخادع، ولأنه كذلك وأكثر فإنه يستغبي القرّاء إلى درجة الاستخفاف بعقولهم!.
هل يوجد محلّل من الدرجة العاشرة لا يعرف أن أمريكا تتدخل في شؤون العالم عسكرياً واقتصادياً واستخباراتياً دون إذن من مجلس الأمن، بل وتقوم بالغزو والاحتلال لبلاد أخرى من خلال تشكيل تحالفات خارج الشرعية الدولية!.
لقد كان فورد على يقين بأن الحلف الأطلسي بقيادة أمريكا سيتدخل عسكرياً في سورية كما فعل في ليبيا، وهذا ما وعد به “المعارضة” قبل عام 2015 جازماً بأن “النظام” آيل للسقوط كما حدث في دول أخرى من خلال التدخل العسكري. أليس هذا ما كان “يجعر” به أركان المعارضة الأجيرة لدى الأمريكي والسعودي والقطري على شاشات التلفزة: أين أمريكا.. أين الحلف الأطلسي؟.. ماذا عن فظائع إسرائيل وأمريكا؟.
ولا يمكن إغفال أن فورد لا يتحدث بصفته دبلوماسياً سابقاً فقط، وإنما كباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أيضاً، وهو الأهم لأنه ناطق غير مباشر باسم إسرائيل!!.
لذا لا نستغرب أن يردّد فورد دائماً بأن “النظام” استخدم الكيماوي ضد المدنيين.. و”المعارضة المعتدلة”، ويحاول دائماً تحريض الرأي العام بزعم أن الغارات الجوية السورية الروسية ترتكب الفظائع ضد المدنيين، مستشهداً بمواطنة أمريكية “واحدة” فقط تدعو ترامب لوقف قتل “المدنيين” أي الإرهابيين!.
ترى لو كان فورد حريصاً جداً على أرواح السوريين محرضاً على التدخل العسكري الأمريكي أو الأطلسي، ألا يجب أن يكون أيضاً حريصاً على أرواح اليمنيين، وخاصة الأطفال والنساء، الذين يتمّ قصفهم بطائرات وصواريخ أمريكية؟ وماذا عن الفلسطينيين العزل الذين يتعرضون للقتل على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي بأسلحة أمريكية؟..
ولماذا نذهب بعيداً، ألم تدمّر الطائرات الأمريكية مدينة الرقة على سكانها المدنيين بذريعة القضاء على “داعش”، في حين كان الهدف تسليمها “نظيفة” إلى عميلتها “قسد”؟!.
ويتجلّى غضب فورد من إدارة ترامب من خلال سؤاله التحريضي: هل الدول التي تقتل مواطنيها تستحق الاحترام الكامل لسيادتها؟.
طبعاً.. يتجاهل فورد كلياً أن إدلب تحوّلت إلى أحد أخطر قواعد الإرهاب في العالم، وهو غاضب لأن إدارة بلاده لا تتدخل عسكرياً لحماية هذا الإرهاب!!. ورداً على تساؤل فورد حول ما إذا كان الأميركيون يبالون حقاً بحياة المدنيين السوريين أم لا؟، فإنه يعرف الجواب تماماً، فهي قتلت آلاف السوريين المدنيين شمال شرق سورية، وفي جميع المحافظات على أيدي إرهابييها، ولن تتردّد بقتلهم كلما رأت الظروف مؤاتية!.
ولعلّ فورد يتفق مع المبعوث الأمريكي للملف السوري “جيمس جيفري” حول إدلب بأن روسيا وسورية لن يسيطرا على مناطق الشمال السوري أو شرق الفرات، دون التفاوض مع المجتمع الدولي!، والمقصود هنا بالمجتمع الدولي أمريكا ولا أحد غيرها سوى الأدوات والعملاء!! ولكن التفاوض حول ماذا؟.
أمريكا تعلنها على مدار الساعة: السياسة الأمريكية في سورية تقوم على ما يسميه إخراج القوات الإيرانية لكونها تشكل تهديداً لإسرائيل والسعودية!، ألا يُذكّرنا ذلك بتصريح الناطقة الإعلامية باسم البنتاغون في عام 2011: الأحداث ستتوقف فوراً في سورية بعد إعلان سورية فك تحالفها مع إيران، وتخليها عن حزب الله، وعقد معاهدة “سلام” مع إسرائيل؟.
ولتحقيق هذه السياسة تلجأ إدارة ترامب إلى الضغوط الاقتصادية والعسكرية، أي تسليح الإرهابيين واستخدام نظام أردوغان كراعٍ للمجموعات الإرهابية في الشمال السوري!.
ولكن.. كما حدث في حمص وحلب والغوطة والجنوب سيسيطر الجيش العربي السوري على إدلب فور تلقيه أمر المباشرة بتحريرها من الإرهابيين، ولن يفعل الغرب سوى الرضوخ للأمر الواقع!، وما لم تنجح فيه أمريكا في الحرب لن تفوز به بعد هزيمة سياساتها في المنطقة.
فورد الغاضب
نعم.. بعد سنوات من الخيبة والإحباط في عهد إدارة أوباما، توقّع فورد أن تلجأ إدارة ترامب إلى خيار التدخل العسكري في سورية لمصلحة الإرهابيين، وشعر فورد بالسرور لتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي، ومايكل بومبيو وزيراً للخارجية، إضافة إلى تعيينات أخرى وصفها حينها بالتغييرات “الهائلة” في سياستها بالشرق الأوسط!. وتوقع فورد أن تقوم واشنطن بدعم وحدات حماية الشعب الكردية وبمنع فتح طريق بري من إيران حتى لبنان!، وتوقع أيضاً أن الفريق المحافظ بإدارة ترامب مستعد لخوض مخاطرة الدخول في حرب مع روسيا وإيران حول سورية.. وبما أن أمريكا لم تتدخل عسكرياً في إدلب فإن فورد تحوّل من “متوقع” إلى غاضب جداً!.
ويمكن لكلّ من تابع تصريحات فورد منذ عام 2011 الاستنتاج بسهولة أنه كاذب ومخادع، وغضبه على الإدارة الأمريكية في عهديها أوباما وترامب ليس أكثر من تغطية لفشله بتسويق مقترحاته بالتدخل العسكري الأمريكي المباشر أو من خلال الأطلسي لتسليم سورية للإرهابيين وفق النموذج الليبي المنقح!، ولكن.. قالها جيل بارندولار مدير دراسات الشرق الأوسط في “ذي ناشيونال انترست” منذ العام الماضي: الأسد ربح وعلى أمريكا الرحيل!.