كلفة المقاومة أقلّ …
شكّل انتصار تموز 2006 انعطافاً حاسماً في الصراع بين مشروع الهيمنة الأمريكي الصهيوني، ومشروع المقاومة في المنطقة. فبعد أن بدا المشروع الأول قريباً من الفوز بالضربة القاضية بعد احتلال العراق وقبله أفغانستان، جاء ذلك النصر ليُفشل هدف الشرق الأوسط الجديد الذي وضعته أمريكا، وأوكلت مهمة تنفيذه إلى حليفها الصهيوني، ولم يفشل كيان العدو في هذه المهمة فحسب، بل اضطر إلى إيقاف الحرب التي أتت بعكس ما توقعه وتوقعته سيدته أمريكا وأذيالها الغربيون والرجعيون العرب. وكان من نتائج الهزائم المرة التي تلقّاها المشروع الأمريكي الصهيوني على يد المقاومة الباسلة التي حظيت بكل أنواع الدعم من سورية وإيران، في لبنان وفلسطين والعراق، أن لجأت أمريكا إلى خلق الوحش الداعشي، واستخدمته لتحقيق مشروعها الجديد القديم، لكنها فشلت مرة أخرى، ولم تستطع رغم كل الدمار الذي ألحقه إرهابيوها بالدول الوطنية العربية المستهدفة، ولا سيما سورية، القضاء على مشروع المقاومة في المنطقة…
وأمامنا اليوم على الأقل خمسة أدلة واقعية على أن مشروع المقاومة هو المتقدّم بالرغم من الأثمان الباهضة التي دفعها ويدفعها أصحابه. ففي سورية تم تطهير معظم المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون، ويعمل الجيش العربي السوري حالياً على تطهير إدلب من الإرهاب محققاً إنجازاً ملحوظاً، ومن المتوقع بعد إكمال هذه المهمة أن تكون وجهة الجيش التصدي للاحتلالين الأمريكي والتركي. وفي لبنان أصبح حزب الله، كما يؤكد العدو الصهيوني نفسه، قوة إقليمية ضاربة يحسب لها ألف حساب، بل ولا يتجرأ هذا العدو على الدخول في أي حرب معها، لأنه يعرف أن نتيجتها ستكون وبالاً عليه. وفي فلسطين يقف الكيان الصهيوني الإرهابي عاجزاً أمام الأجيال الجديدة من الشعب الفلسطيني البطل التي كان يعتقد أنه قد تمكّن من تدجينها، فإذا بها تثور في وجهه، وتقض مضجعه بأساليبها الجديدة في المقاومة ووسائلها البسيطة الناجعة من السكين إلى الطائرات الورقية. وفي إيران يزداد الإيرانيون رغم انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، تمسكاً بموقفهم المناهض لأمريكا وإسرائيل، ويثبتون للعالم كله أنهم يمتلكون من القوة العسكرية والكرامة الوطنية ما يجعلهم قادرين على مواجهة أمريكا وبريطانيا والرد عليهما بما يستحقانه، وأن أي عدوان عسكري عليهم سيحرق المنطقة والعالم. وفي اليمن غرقت السعودية في وحول المقاومة اليمنية البطلة، ولم تعد تعرف، وعمقها يتعرض لضربات اليمنيين الموجعة، كيف تنهي حربها الظالمة التي لم تحقق أياً من أهدافها السياسية رغم الدمار الهائل الذي أحدثته…
أليست هذه كلها أدلة قوية على أن مشروع المقاومة في المنطقة يتقدّم بخطا حثيثة نحو تحقيق الانتصار النهائي بعد أن نجح بتصديه البطولي في إفشال مخطط العدو الأمريكي الصهيوني الرجعي. فإذا أضفنا إلى ذلك تراجع الهيمنة الأمريكية على الصعيد الدولي، وبداية تشكّل النظام متعدد الأقطاب، ونجاح الدول المستقلة كفنزويلا في مواجهة المشاريع العدوانية الأمريكية، تكشّفت الصورة العامة عن أن المستقبل هو لمشروع المقاومة، وليس لمشروع إخضاع الشعوب، ومصادرة سيادتها، والسيطرة على ثرواتها وتقسيم أوطانها. وإذا كان هذا المشروع الأخير قد أضر كثيراً بالدول المقاوِمة وشعوبها، فإن هذا الضرر، رغم فداحته، لم ولن ينجح في كسر إرادة المقاومة لدى من أيقنوا ويوقنون بأن كلفة المقاومة هي أقل بكثير من كلفة الخضوع والاستسلام، وأن النصر هو في النهاية حليف المقاومين الشرفاء المستعدين دائماً لدفع ثمنه مهما كان غالياً.
محمد كنايسي